اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
مما لا شك فيه أن الحرب الظالمة التي يخوضها اليهود هذه الأيام على أرض فلسطين والممارسات الآثمة التي يمارسونها على هذه الأرض ضد الشعب الفلسطيني الأعزل تجعل المرء يتساءل عن أهداف هذه الحرب، وماذا وراء توقيتها ومن المستفيد منها ولمصلحة من تدور رحاها بين قوة غاشمة وشعب مناضل اعتاد الكفاح والصمود في وجه القوة العسكرية الجائرة والآلة الحربية المدمرة التي تهدف إلى قتل البشر وتدمير المقر.
وبالطبع فإن الذي يتساءل لن يجد صعوبة في الإجابة عن تساؤله بالنسبة للجانب الإسرائيلي الذي ينظر إلى الحرب بأنها عمل مقدس وأن القوة فوق الحق معتبراً عمليات القتل والتشريد والتدمير هي السبيل إلى تحقيق ما يصبو إليه من الأهداف، انطلاقاً من العقيدة التي يعتنقها والوعد الإلهي المزعوم الذي يؤمن به.
واستناداً إلى ذلك فقد استغلت الدولة العبرية عامل الوقت واستفادت من كل شاردة وواردة لتحويل عقيدتها الدينية إلى نظرية سياسية يعتمد تنفيذها على القوة العسكرية والآلة الحربية من أجل البطش والاغتصاب والإرهاب على نحو مكنها من احتلال الأرض الفلسطينية والتوسع خارجها طيلة العقود الماضية، بفضل الاهتمام بالقوة العسكرية بجميع تشكيلاتها وفروعها من حيث الكم والكيف والتسليح والتنظيم والتدريب مع الأخذ بمبدأ شمولية التخطيط ومرحلية التنفيذ.
ومنذ بداية الاحتلال حتى الآن والدولة العبرية تنتقل من مرحلة إلى التي تليها، مستبيحة أرض فلسطين وما جاورها مع تفريغ الأرض المستباحة من أهلها عن طريق القمع والإرهاب والحرب وفرض الأمر الواقع، الأمر الذي يدل على أن الحرب التي تخوضها الآن ليست بدعاً لم يحسب لها حساب، بل هي التي كانت المتسبب في إشعالها، معتبرة إياها تمثل محطة على الطريق المعلوم الذي تسير عليه هذه الدولة منذ تأسيسها ومرحلة من مراحل المخطط المرسوم الذي رسمته ضمن إطار الغاية القومية النهائية التي تعمل على تجزئة مراحل تنفيذها من خلال عدة أهداف مرحلية حددت لكل منها مرحلة زمنية حتى تصل في النهاية إلى هدفها النهائي المتمثل في دولة اليهود الكبرى.
والأمن والتوسع حسب المذهب العسكري الإسرائيلي يحتاجان إلى قوة قادرة على تأمين الداخل والتحرك السريع إلى الخارج لضمان تحقيق الأمن في مفهومه الشامل عن طريق الربط بين القوة والقدرة على الغزو بصورة جعلت الكيان الإسرائيلي يتخذ من نظرية الأمن القومي هدفاً يتطلب وجود قوة متفوقة، وفي الوقت نفسه جعل من هذه النظرية ذريعة لكل ما يمارسه من عمليات القتل والاستيطان والتوسع كما أضاف إلى ذريعة الأمن التذرع بالإرهاب لارتكاب جرائمه في كل مكان وزمان.
وممارسات اليهود في ساحة المسجد الأقصى ومحاولة طرد بعض العائلات من حي الشيخ جراح كانت هي الشرارة التي أدت إلى اندلاع الحرب، بعد أن استغل النظام الإسرائيلي الموقف، متخذاً زمام المبادرة لخوض معركة جائرة والقيام بعمليات قتالية غير مبررة ضد الشعب الفلسطيني في محيط القدس الشريف وقطاع غزة، مدعيًا تهديد أمن إسرائيل وتعرض حدودها الجنوبية للخطر.
ونتيجة للممارسات غير المسؤولة من قبل الطرف الإسرائيلي دارت معركة غير متكافئة بين قوة عسكرية على درجة عالية من الجاهزية وفصائل مقاومة تطلق صواريخها ومقذوفاتها من أماكن أغلبها تحت الأرض، ومهما كانت الأفعال وردود الأفعال والبيانات والتصريحات العسكرية فإن المواطن الفلسطيني هو الضحية بسبب ما يتعرض له من ظلم واقترافات الطرف المهاجم وما يعانيه من معاناة الطرف المقاوم.
وربما تكون إيران ماثلة في المشهد بسبب استهداف برنامجها النووي من قبل الجانب المهاجم وتأثيرها المباشر على الجانب المقاوم، نظراً لأن هذا البرنامج تحول إلى قضية محورية تتمحور حولها جميع من في المنطقة، فالكيان الإسرائيلي يرى أن هذه الحرب يمكن أن ينعكس تأثيرها على سير المفاوضات الجارية بما يخدم مشروعه الذي يتبناه بما في ذلك اختبار الإدارة الأمريكية الجديدة، في حين ترى إيران أن في الحرب ما هو جدير بصرف انتباه الجهات التي تحاول إيجاد مكان لها في المفاوضات، وتلك التي تحاول عرقلتها مع الضغط على الإدارة الأمريكية للحصول على بعض التنازلات.
ومهما كان الهدف الحقيقي من وراء شن هذه الحرب وتصعيد الموقف فإن الكيان الإسرائيلي عادة ما ينتهز الفرص ويقتنص المواقف لخلق موقف جديد وفرض واقع يتفق مع مطامعه ويخدم أهدافه المستقبلية، انطلاقا من المعطيات الناجمة عن الأحداث القائمة والقادمة والتحولات التي تشهدها المنطقة والمتغيرات المترتبة عليها على المستويين الإقليمي والدولي، تلك التحولات والمتغيرات التي ينظر إليها الكيان الإسرائيلي بأنها من الفرص المواتية بالنسبة لتكريس تهويد القدس والتوسع في الاستيطان وفرض واقع جديد يتكيف مع المعطيات الإقليمية والدولية بشكل يساعده على الاستفادة من كل ما حوله من أحداث وما آلت إليه الأمور من مآلات.
وفي ميدان المتاجرة والمؤامرة برزت إيران كعادتها تلعب على المتناقضات، وتناور على جميع الجهات، تخاطب الفلسطينيين في العلن، وتتآمر مع الإسرائيليين في السر متخذة من محور المقاومة والممانعة شعاراً ترفعه فوق الطاولة الفلسطينية، ومن مؤامرة المساومة والمصانعة شعاراً تقدمه تحت الطاولة الإسرائيلية، رغم أن هذه الحرب كشفت للعاقل ما كان مكشوفاً، وعرّفت الجاهل بما لم يكن معروفاً، شأنها شأن الثورة السورية التي فضحت المستور وأكدت المخبور عن غدر وخيانة محور الممانعة المأجور.
وفي ظل هذا الوضع الخطير والواقع المرير آن الأوان للأمة العربية التي هوى نجمها ولم يبق لها ما يدل على وجودها إلا اسمها أن تستفيد من تجارب الماضي وتعتبر من دروس وعبر الماضي والحاضر في سبيل اجتماع صفها وتوحيد كلمتها لمواجهة الأعداء الذين يتربصون بها من كل جانب وقد قال الشاعر:
أمم العروبة لا نجاة لمدبر
يبغي النجاة ولا حياة لمحجم
ضمي القوى وتجمعي في وحدة
عربية تحمي اللواء وتحتمي
وتحقيقاً لهذه الغاية يتعين التمسك بالثوابت الجامعة والحرص على التعامل مع المتغيرات والفروق الفردية بحكمة مع الأخذ في الحسبان موقع القضية الفلسطينية من هذه الثوابت باعتبارها القضية المحورية ذات الأسبقية والأهمية مع الربط بين النية المخلصة الصالحة والعمل المخلص والصالح، بعيداً عما كان متعارفاً عليه بالأمس من النفاق وخداع النفس وقد قال الشاعر:
من أخلص النيات كان لقوله
وقع وكان لفعله تأثير
وفي الإطار نفسه فقد حان الوقت للفصائل الفلسطينية المتناحرة أن تلتف حول بعضها وتنبذ خلافاتها جانباً، وأن تضع مصير شعبها ومصلحة قضيتها فوق كل اعتبار مع العودة إلى حاضنتها العربية وعمقها العربي، نائية بنفسها عن الارتماء في أحضان الغادرين والمتآمرين الذين يتاجرون بالقضية لأهداف مصلحية وهم ألد الأعداء لأهلها وأبعد ما يكونون عن نصرتها وكما قال الشاعر:
من كان يرضى بالهوان لشعبه
لا بدع أن يرضى الهوان لنفسه
وقال آخر:
وما المرء إلا بإخوانه
كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة
ولا خير في الساعد الأجذم