خالد محمد الدوس
فقد الوسط الرياضي والإعلامي والثقافي بالمملكة قبل أيام قلائل شخصية قيادية من الشخصيات الريادية البارزة التي خدمت وطنها أكثر من أربعة عقود من الزمن؛ وذلك برحيل معالي الشيخ فيصل بن محمد الشهيل الذي وافته المنية إثر مرض عانى منه الفقيد - تغمده الله بواسع رحمته.
والراحل كان من أوائل السعوديين الذين تعلموا في الخارج فبعد حصوله على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والمال من الجامعة الامريكية في بيروت قبل أكثر من نصف قرن من الزمن واصل قطار (طموحه العالي) السير بكل همة وعزيمة ونجاح من أجل نهل مزيد من العلم والمعرفة في أعرق الجامعات الامريكية، وحصل على درجة الماجستير في إدارة الاعمال ليصبح من أوائل الدارسين السعوديين بالخارج.. ومن خبراء الإدارة في وطننا الغالي. كما كان -رحمه الله- من رموز الحركة الرياضية بالمنطقة الشرقية والرجال الأوفياء، التي ساهمت في دعم حركتها، وقدمت عطاءات بارزة, وخدمات جليلة, وتضحيات جسيمة في حقبة البناء الرياضي فقد كان (أبومنصور) رقماً صعباً وداعماً كبيراً لكثير من أندية المنطقة الشرقية وحمل العضوية الشرفية, والرئاسة الفخرية لعدد منها. وتجلى هذا الدعم من خلال تكريم الفرق المتفوقة، فضلاً عن مبادراته الإنسانية مع بعض الحالات الرياضية والوقوف معها في أزماتها الصحية والمادية، كما عرف عنه محاربة التعصب الرياضي من خلال عقد الملتقيات الثقافية والمحاضرات التوعوية, والفعاليات الاجتماعية التنويرية التي تؤصل مبدأ (الوعي) في المجتمع الرياضي، وتعميق مفهوم الرياضة.. إنها فن وأخلاق وفروسية, ولذلك كان مجلسه الأسبوعي يضم الرياضيين والمثقفين والإعلاميين بمختلف الميول والانتماء, فهو شخصية مرموقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. ولا غرابة من ذلك فالفقيد كان رجلا شهما وصاحب قيم حضارية وإنسانية وأخلاقية أصيلة اتفق الجميع على محبته لأنه كان صاحب قلب كبير ينبض طيلة عمره حباً ووفاءً وروحاً وعطاءً.
كما لعب (أبو منصور) بمنهجيته غير التقليدية في حب مهنة الصحافة.. دورًا بارزًا وحراكًا فاعلاً في تطوير العمل الإعلامي من خلال توليه العديد من المناصب في الإدارة والتحرير فقد شغل منصب المشرف على التحرير والإدارة في صحيفة الجزيرة ومن المؤسسين لهذه الصحيفة الرائدة, كما كان أحد مؤسسي مؤسسة عسير للصحافة والنشر (الوطن)، ومؤسس صحيفة الرياضي والإشراف العام على تحرير صحيفة اليوم.. وكل هذه التجارب المهنية والخبرات القيادية خلاصتها تطوير العمل الصحفي على أسس ثابتة ودعائم متينة.
تشرفت إبان عملي مع صحيفة الجزيرة، واهتمامي بالتاريخ الرياضي، بمعرفة الشيخ فيصل الشهيل عن كثب، وكنت محظوظًا بأن أقرأ شيئًا من تاريخنا الرياضي من مصادره الأولية وكان (أبومنصور) -غفر الله له- مرجعًا تاريخيًّا ثريًّا, ومخزونًا ثقافيًّا أصيلاً، يحتفظ بمعلومات رياضية وحقائق كروية، عمرها أكثر من خمسين عامًا؛ وبالتالي استفدت منه كثيرًا في نشر هذه الحقائق التاريخية الدامغة ومعطياتها هنا عبر الجزيرة.
وربما لا يعلم الكثير أن دخوله للرياضة كان عبر (نادي الهلال) قبل أكثر من نصف قرن من الزمن ولهذه العلاقة الحميمة قصة رواها أبومنصور قائلاً: لم تكن لدّي ميول رياضية أو أي ارتباط تجاه نادٍ معين غير أنه في نهائي كأس الملك في الثمانينيات الهجرية تم توجيه دعوة حضور لكبار الموظفين، وطلب مني معالي الشيخ حسين منصوري - رحمه الله، وقتها كان مديراً عاماً لوزارة المواصلات- مرافقته لحضور المباراة الختامية بين الهلال والوحدة، وكان معروفاً بحبه للوحدة ومن باب الطرافة والدعابة قلت سأشجع الهلال وبالفعل حضرت المباراة، وكان الأستاذ الراحل تركي السديري- رحمه الله- خلفي وبعد نهاية المباراة وفوز الهلال بالكأس كتب السديري في صحيفة الرياض بعنوان (فيصل الشهيل هلالياً..!!) وقتها كنت مديراً عاماً للموانئ فزارني مؤسس الهلال الشيخ عبدالرحمن بن سعيد -رحمه الله- بعدما قرأ الخبر وطلب مني الانضمام للقاعدة الشرفية، ثم ترشيحي لرئاسة النادي عام 1390هـ ولمدة خمسة أعوام، فكان الهلال بوابة دخوله -يرحمه الله- للرياضة.
كان الراحل يتمتع بشخصية اجتماعية وثقافية ورياضية متزنة، تجمع القيم الأخلاقية، والتواضع الجم, والابتسامة العفوية, وطيب المعدن, وحسن الأدب، ونقاء القلب الذي أكسبه حب الرياضيين القدماء والإعلاميين والمثقفين الذين عاصروا مسيرته الرياضية والثقافية والإعلامية.
رحم الله معالي الشيخ الإنسان (فيصل الشهيل) فقد عاش محباً للرياضة والإعلام وكان من الأرقام المهمة في مسيرة البناء الرياضي والإعلامي، ورحل تاركًا سيرته النيرة وسمعته العطرة محفورة في الذاكرة الرياضية وأخاديد الزمن, تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.