فيا أسفى لجسمك كيف يبلى
ويذهب بعد بهجته سَنَاكَا
كثيراً ما يردد المسلم الدعاء بحسن الختام، ولاسيما إذا شعر بدنو أجله وغيابه عن الوجود..، ولعلمه بلطف رب العباد؛ قال جلّ جلاله في محكم الكتاب العزيز {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} الآيات. ففي يوم الأربعاء 30-9-1442هـ، أدى «أبا عبدالله» الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الحسين، صلاة الفجر بالمسجد وأيقظ أهله، ثم صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها صائماً، مُتزامنة مع نهاية شهر رمضان المبارك..، ونرجو أن تكون خاتمة خير ورحمة له، فالأعمال بحسن خواتمها - بمشيئة الله ومغفرته - «فتمم الفضل وامنح حُسن مختتم»..، وربما كان أول ليلة قد بات مَسْرُوراً بين أهله وبعض أسرته..، ولم يدر بخلده ما كان في ضمير الغيب، ولكنها الآجال المقدرة برحيله العاجل.
ثم أُديت صلاة الميت عليه عصر يوم الخميس 1-10-1442هـ، وووري جثمانه الطَّاهر بمقبرة (صفيه) بمحافظة حريملاء، في أجواء حزن عميق وأسى على غيابه الأبدي وتواريه عن نواظر أسرته ومحبيه..
يا راقد الليل مسروراً بأوله
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
وقد أهلّ (رحمه الله) على الدنيا مولوداً عام 1358هـ بحريملاء، وعاش طفولته بين أحضان والديه، وبين أخوته وأخواته ولِدّاته في أجواء مرح يقضون سحابة أيامهم في مرح ولهوٍ، وفي مزاولة هواياتهم المحببة إليهم كأمثال من سبقهم من الصّبية والأطفال..، وعند بلوغه السابعة من عمره التحق بأول مدرسة ابتدائية افتتحت بحريملاء عام 1369هـ، وكان مديرها الأستاذ الفاضل المخلص محمد مُختار - تغمده المولى بواسع رحمته - وكان يُشكر على حسن رعايته وتربيته، وتوجيهاته الأبوية لتلك البراعم الصغيرة، التي تُعَدُّ من الدفعة الأولى التي نالت الشهادة الابتدائية عام 1372هـ، وكانت لجنة الامتحانات برئاسة قاضي البلد - آنذاك - فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعد - رحمه الله - والناجحون منهم: 1/ إبراهيم بن عبدالله بن قضيب. 2/ صالح بن عبدالله الصالح. 3/ عبدالرحمن بن صالح الجنوبي. 4/ عبدالرحمن بن عبدالعزيز المشعل. 5/ الراحل عبدالرحمن بن عبدالله الحسين. 6/ عبدالرحمن بن عبدالله العمراني 7/عبدالعزيز بن عبدالله العقيلي 8/ شقيقي عبدالله بن عبدالرحمن الخريف 9/ عبدالعزيز بن محمد الباتلي 10/ عبدالله بن حمد الباتلي..، - رحم الله من غاب منهم، وأسعد الباقين الذين هم على قيد الحياة -.
وقد عمل (رحمه الله) في بداية أعماله الوظيفية مدرساً في المدرسة الابتدائية بحريملاء التي كنت مُشرفاً على إدارتها بجانب عملي مُديراً لمعهد المعلمين الابتدائي، الذي قمنا بافتتاحه بعد صدور قرار تعييننا في 23-4-1379هـ، وكان حازماً ومخلصاً في أداء عمله، ومحبوباً لدى زملائه وأبنائه الطلبة، ثم انتقل إلى وزارة الصحة مديراً لمستشفى حريملاء، بعد ذلك انتقل إلى الرياض وعمل مديراً للمركز الصحي في حي عتيقة..، ثم انتقل مُستشاراً في المديرية العامة الصحية، بعد ذلك انتقل إلى مستشفى الشميسي بالرياض مسؤولاً إدارياً، ثم عمل بوزارة العدل مُفتشاً إدارياً وفي لجان الصلح، وحلّ بعض الخلافات التي قد تحصل بين الطرفين، حتى تقاعد عام 1420هـ..؛ فأبا عبدالله مقبول من أبناء المجتمع. كما كان ملازماً للشيخ محمد بن عبدالعزيز الشدي - البصير الذي لا يبصر - فترة طويلة من الزمن..، يقرأ عليه في بعض المتون المعروفة ومن كتب المطولات مما كون لديه ملكة الفَهم والحفظ وسرعة البديهة.. - رحمهما الله -
هو البحر فازدد منه قُرباً
تزدد من الجهل بعداً
وكان إماماً وخطيباً في جامع بن غشيان بحي الزهرة بالسويدي حوالي 40 عاماً
أربعون عاماً بل أربعون دُرة
بجيد الليالي ساطعات زواهيا
مع إشرافه على بنائه وصيانته، فأصبحت أروقته حافلة بحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وما يلقى فيه من محاضرات وإرشادات. وقد خلف ذرية صالحة بنين وبنات فضليات مؤهلات..، ولئن غاب عنا «أبوعبدالله» فإن ذكرياتنا الجميلة معه باقية في طوايا النفس تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته وألهم إخوته وأخواته وأبناءه وبناته وعقيلته وأسرة الحسين وآل سليم وأسرة الشقيحي ومحبيه الصبر والسلوان.
قضيت حياة مِلؤُها البر والتقى
فأنت بأجر المتقين جديرُ
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف