فضل بن سعد البوعينين
لم تكد تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على غزة، حتى انبرى تجار القضية للمتاجرة بمخرجاتها الدامية واستغلالها فكرياً وسياسياً ومالياً، دون الاكتراث بما خلفته من دمار شامل وضحايا غالبيتهم من النساء والأطفال. باتت قضية غزة ورقة للتكسّب السياسي والمالي، وجسراً لإعادة إحياء تنظيم الإخوان ودفعه للواجهة من جديد، ومحرك لمخططات تخريبية في الدول العربية المستهدفة، تنطلق شرارتها من تجمعات ظاهرها التأييد والمساندة وباطنها الخروج على الدولة والإضرار بمصالحها. عمل إعلامي منظّم، وقصص إخبارية موجهة لاستثارة المشاعر، وتهييج الشارع، وتصريحات مدروسة تناوب عليها تجار القضية وقياديي الإخوان.
الشكر لإيران، وفاتورة إعادة الإعمار على الخيرين من العرب، تصريح مستفز لإسماعيل هنية وجهه لإخوانه العرب. إيران هي سبب دمار العرب ونكستهم، وهي المسؤولة عن تحول لبنان والعراق وسوريا واليمن إلى دول فاشلة، تسيطر عليها ميليشيات إيرانية، يتحكّم بها الحرس الثوري الإيراني. لإعادة الإعمار متطلبات مختلفة، وأهمها حماية الإعمار من الدمار، والنزاهة، وهذا ما لم يحدث من قبل. تحمَّلت المملكة أكثر من نصف فاتورة إعادة إعمار غزة، لأكثر من مرة. وأخذت على عاتقها بناء أحياء سكنية متكاملة، وقدمت معونات إنسانية مستدامة. فما الذي نالها من ذلك؟! الجحود والنكران، والدعاء عليها من على منابر جوامع غزة، وتجيير كل ما قدمته من خير، تبتغي به وجه الله، لإيران التي لم تقدم دولاراً واحداً للفلسطينيين ولم تسع في معالجة قضيتهم العادلة، بل على العكس من ذلك، سعت، وما زالت، لشق الصف الفلسطيني، ودفع حماس لمغامرات عسكرية غير محسوبة، بغية استغلالها كورقة ضغط على أميركا والمجتمع الدولي. ملفات إعادة الإعمار؛ والمساعدات المالية الضخمة، ومغامرات تجار القضية، ومزايداتهم والتآمر على الأمة، وتفويتهم فرص المعالجة الشاملة ورفضهم جميع الحلول المطروحة لمجرد الرفض واستدامة القضية بغية التكسّب من خلالها؛ يجب فتحها بشفافية مطلقة وفضح المنخرطين فيها ومحاسبتهم على جرائمهم وأخطائهم الإستراتيجية.
القيادي الإخواني وعرَّاب جمع تبرعات الحزب طارق السويدان، سارع لاقتناص الفرصة واستغلال المشاعر الإنسانية وتوظيفها في جمع التبرعات، ومن الشعب السعودي على وجه الخصوص، الذي طالبه بتزويده بما يتم عندهم لدعم فلسطين وإعادة إعمار غزة، واصفاً السعودية بأنها «رائدة العمل الخيري في الأمة». فشل السويدان وتجار القضية في اختراق المجتمع السعودي أو التأثير عليهم، لجهلهم بالتحول الكبير الذي طرأ عليه. لم يدركوا حجم الوعي الذي امتاز به الشعب السعودي بعد سنوات من التعاطف مع القضايا الإنسانية التي كان الإخوان يستغلونها لملء أرصدتهم في البنوك، أو تمويل أنشطتهم الحزبية، والجماعات الإرهابية. ساهمت سياسة الحزم والمكاشفة في زيادة وعي المجتمع بالمخططات التي تستهدف أمنهم واستقرارهم، وأغلقت الباب أمام كل متخرّص يستغل الدين، أو القضايا الإنسانية لأهداف حزبية مقيتة.
كانت ردود أفعال السعوديين على دعوات التبرع مبهجة لما تضمنته من وعي بمخاطر دفع الأموال لجهات خارجية مشبوهة، كما أن تداولهم لتحذيرات أمن الدولة من دعوات التبرع الخارجية ساهم في تعزيز الوعي ونشره على نطاق واسع.
فالتبرعات الخيرية في المملكة محصورة في قنوات رسمية منعاً لتسرّبها إلى الجماعات الإرهابية، أو حسابات الأفراد، حيث تم توفير منصات إلكترونية تسهل عمليات دفع التبرعات وإيصالها مستحقيها بموثوقية وأمان. منصة إحسان هي المنصة الداخلية لإيصال التبرعات لمستحقيها، في الوقت الذي يهتم فيه مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتلقي التبرعات وإيصالها إلى مستحقيها في الخارج.
السعودية هي رائدة العمل الخيري والإنساني كما وصفها السويدان؛ ليس في الأمة الإسلامية وحسب، بل وفي العالم وفق إحصاءات المنظمات الدولية، وستبقى الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية، غير أن مساهماتها غير متاحة لتجار الأزمات، وعملاء الأحزاب المدرجة ضمن قوائم الإرهاب، بل مقننة وموجهه مباشرة لمستحقيها، أو من خلال المنظمات الدولية، وهذا ما لم يستوعبه تجار القضية وحزب الإخوان وأتباعهم.