عبده الأسمري
يميل الإنسان كثيراً إلى أطراف الجحود وتأتي أولى معانيه بكل «أسى» نحو نعم الله التي لا تعد ولا تحصى على العبد ولكنه يتباهى بذاته «الصغيرة» ونفسه «المستصغرة» في عظم هذا الكون الفسيح الذي كرَّم فيه المعطي الوهاب بنى آدم بالعقل وتوجه بالحرية ولكنه طغى وتجبر وتكبر.. وهو لا يعلم أنه لم يكن شيئاً مذكوراً.
منذ أول «جريمة» بشرية وقعت بين ابني آدم «قابيل» و»هابيل» عندما قتل أحدهم الآخر بسبب قربان قرباه إلى الله وما اشتملت عليه هذه «القصة المعتبرة» لترسل إلينا أول «معنى» في حياة البشر وتبرز أكمل «اتجاه» في تعامل الإنسان ليتجلَّى «بؤس» الحسد وبدايته بالغل ثم يعقبه «ضعف» الجسد ونهايته بالموت ثم تأتي «لغة» الندم بسبب «لعنة» التعدي.. كل ذلك بات متوارثاً ولا يزال وسيظل في قاموس الحياة.
{وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} عبارة قويمة وردت في «آية عظيمة» لتكون عنواناً لمشاهد كثيرة في شؤون هذا المخلوق وتداعيات تعامله مع المخلوقات الأخرى ومع بني جنسه ورغم ما ورد من تفسير وتحليل إلا أنها تحمل جوانب عميقة وانطلقت منها اتجاهات أعمق تبقى في حيز «الغيب» وتظل في مجال «الأعجاز».
الإنسان الذي عمر هذه الأرض وابتكر ما يساعده على العيش واخترع ما ينقذه من المساوئ وأنتج ما يمكنه من الإنجاز.. يبقى في مسار «محدد» من الفكر.. فأينما تخور قواه يخلد للراحة وحينما تتوقف أحلامه يستسلم للإحباط وحيثما تكون مصالحه يتجه للتفكير.. ليبقى هذا المخلوق متأرجحاً بيم «بصائر» الذات و»مصائر» الإثبات..
في نظام «الحياة» يكثر الإنسان من الجدل في مسائل «الحوارات» ويزيد الجدال في وسائل «النقاشات» فتأتي النتائج بين «رضا» مطلوب و»قنوط» مرفوض فتتشكل معارك الصراع بين العقل والواقع وتتولد مسالك النزاع بين الفعل والتوقع.
يأتي الإنسان ليكون «العنصر الأول» الذي يبرز «هوية» المجتمع ونماء «الحضارة» ووجه «الوطن» وواجهة «الماضي» واتجاه «الحاضر» وطريق المستقبل فهو الذي يطور واقع «الحياة» ويؤصل وقع «العيش» وهو من ينتج «المعادلة» البشرية التي تحافظ على «اتزان» التعايش ويكمل «المتراجحة» الإنسانية التي تتقيد بميزان المنطق..
القطبية نحو التشدد في إرسال أو استقبال المثيرات وفي السلوكيات أو ردات الأفعال أمر حتمي مرتبط بالإنسان وتترتب عليه «الأخطاء» التي تعد جزءاً لا يتجزأ من طبيعة الحياة وطبع البشر لذا تبقى «الوسطية» منطقة آمنة تقل فيها درجات الاختلاف وترتفع فيها معدلات الائتلاف في ميادين التعاملات ومضامين المعاملات.
يمضي الإنسان في دروب العمر في مراحل مختلفة بدأها وليداً بفطرة ربانية بريئة ثم ينتقل إلى العيش حتمياً في محيط أسري يعيش وسطه بين «احتمالات» الافتراق و»تنبؤات» الاتفاق فيكون تحت توجيه يمتلك فيه «بوصلة» الترغيب والترهيب معاً ليبدأ أول استقلال «ذاتي» بمكوثه على مقاعد الدراسة التي تشمل أولى بوادر «الشخصية» في مهمة علمية تتعالى فيها «المعاني» الأولية لفصول «الهوية» و»البوادر» المعنوية لأصول «الهواية» ليصعد بها الدرجة الأولى على سلم «الاعتماد»..
في صفحات «التجارب» وصحائف «المآرب» تظهر «مشارب» الاستفادة من الدروس التي يظل فيها الإنسان صاحب تجربة وصانع خبرة.. وتتكون «مسارب» الاستعاذة من المواجع التي يبقى وسطها «الشخص» كبش فداء أو ضحية إساءة مما يؤكد أن هذا المخلوق يسير في دوائر لا تتوقف من «الاختبار» ومدارات لا تنتهي من «الاعتبار».
تركز الدراسات والبحوث على الإنسان في وظائف الأعضاء وتشريح الخلايا والجينات والهرمونات وتحليل سلوكه ومسلكه وفي كل ما ينتمي له أو إليه باعتباره «أساس» الحياة والكائن الوحيد الذي أكرمه الله عزَّ وجلَّ بالعقل ليكون «محور» كل آفاق التعامل وشتى أبعاد التكامل و»منطلق» سير دورة المعيشة على كوكب الأرض ويبقى «العلم» مقتصراً على «معطيات» و»مشاهدات» ومختصراً في نتائج وتوصيات واختراعات، لذا فإن ما يشهده «العالم» من تغيُّرات ومتغيِّرات تقتضي الدخول إلى «أعماق» النفس الإنسانية والتعمّق في «أغوار» الشخصية البشرية، فهنالك العديد من الأسرار التي تتركز منطلقات البحث عنها في «القرآن الكريم» وتحتاج إلى مفكرين ومتفكرين ومتدبرين وباحثين في الآيات القرآنية التي ركّزت على الإنسان ووضعت كل «عناوين» الابتكار والتجديد والاختراع والإبداع، فالبشرية تواقة دوماً إلى العديد من «التفاصيل» الغائبة والمزيد من «التفصيلات» الخفيَّة في كيان وكينونة هذا المخلوق الذي سيبقى أكثر شيء جدلاً!