د. تنيضب الفايدي
إنها بقعة تأسر القلوب وتستبي الأرواح، وتتضوع بعبير المجد، وتشرق بأضواء الخلود، وكم من زائر أو زائرة للروضة الشريفة عاش أو عاشت ساعة في روضة الحبيب، ولم تستطع الكلمات أن تعبر عن مشاعر الحب الجياشة، واستدرت الدمع عوضاً، وأصبح البكاء بديلاً، وأمست دموع السرور وفرح القرب واللقاء دليلاً.
قل لعينيك تهملان سروراً
طالما أسعفاك يوم الفراق
واجمع الوجد والسرور ابتهاجاً
وجميع الأشجان والأشواق
ساعة هنا.. تشعرك بالسعادة لما تولد في النفس من أنس، وهدوء، وراحة، ومتعة، وهناء، وطمأنينة، كما ستحس بالرضا يغمر نفسك، ويفعم ضميرك بالأمل ويملأ قلبك بالرجاء وستكون رضياً، نقياً، سمحاً. ساعة في الروضة الشريفة تذكرك بسيرة صاحب {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ومع عظيم قدره وعلو شأنه ورفعة مكانته مع ذلك تحس بالقرب من هذا الشرف العظيم، لذا فمن نعمة الله عليك أنك تجلس في الروضة، بجوار سيد الأولين والآخرين، النور المبين، صاحب الوسيلة والفضيلة، المبشر بالأمل، بل إنك تتذوق طعم الحياة، هنا تنزل القرآن الكريم، وتعطرت الأجواء بتلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتاب الله المنزل - في الروضة المطهرة يتذكر المحب الصادق وبكل شوق وحماس مواقف الفداء والتضحية، ويتذكر المحبون الصادقون للنبي صلى الله عليه وسلم مواقف صحابته. أولئك الأبرار الذين نشروا النور المبين، من هنا انطلقت غزواته وسراياه، وانطلقت رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض، حاملة رسائله بالحق ليضيء القلوب.
ومن الروضة الشريفة فاض النور من خطبه ووصاياه ونصائحه. ومن هنا فاض العلم على الناس حيث اقتبس الصحابة مكارم الأخلاق وأشرف الخصال وأنبل السجايا له. إنها الروضة الشريفة روضة من رياض الجنة. فعن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة». متفق عليه. وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي» متفق عليه. وقد فسر ذلك بأنها (الروضة) كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر أو أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة. وحدود الروضة من الشرق هي دار السيدة عائشة رضي الله عنها ومن الغرب المنبر الشريف ومن الجنوب (القبلة) جدار المسجد الذي به محراب النبي صلى الله عليه وسلم (وليس محراب الإمام الحالي) ومن الشمال الخط المار من نهاية بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شرقاً إلى المنبر غرباً ويبلغ طول الروضة اثنين وعشرين متراً وعرضها خمسة عشر متراً. والروضة التي يصلى فيها حالياً ليست كل الروضة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن أدخل جزء منها في البناء الذي أقيم حول الحجرة الشريفة ويمثله الجدار ذو الأضلاع الخمسة حول الحجرة.
هذه الروضة تعيش فيها ومعها لحظات الحب والصفاء حيث أنك قد ازددت قرباً وتزايدت لواعج الشوق ولا تملك سوى كلمات الشكر والحمد لله سبحانه وتعالى أن بلغك هذا المكان وعليك والحال هذه أن تعطر الأجواء بتكرار الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم لأن ذلك تكفيراً للسيئات وغفراناً للذنوب وتفريجاً للهموم وصلاحاً للنفس وشحذاً للفكر وتيسيراً للحياة. كما تصبح من أولى الناس به وأكثرهم قرباً فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولى الناس بيوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة. رواه البخاري.
ومِنْ شُكرِ الله سبحانه وتعالى: غرس محبته ومحبة رسوله في قلوب البنين والبنات عن طريق ربطهم بالسيرة النبوية الشريفة وأن ينهلوا من مناهلها العذبة وتعليمهم حب رسول الله وأن ذلك مرتبط باتباعه. قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} كما أن محبته صلى الله عليه وسلم ملازمة للفرد في مكان وزمان وكلما تعمق في السيرة العطرة أكثر كلما زاد ذلك في معرفته، ولاسيما سير الصحابة رضي الله عنهم ونماذج من كيفية توقيرهم ومحبتهم له، وحرصهم على رؤيته وصحبته، فقد ورد أن بعض الصحابة لا يستطيع النوم حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بسبب حبه وتعلقه وشوقاً له.
أخذت قلبي وغمض عيني
سلبتني النوم والهجوعا
والمحب قليل النوم:
هجرنا ونام الركب والليل مسرفٌ
وما نمتُ عن ذكراك يا أكرم البشرْ
لأنك أفعمتَ القلوب محبةً
وكحلت أجفان الليالي سنا القمر
وختاماً فإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيدة بترسم خطاه وأن يكون هوى المتبع تبعاً لما جاء به وبذلك يكتمل الإيمان ويتخلل حبه القلب وتذوب فيه النفس شوقاً وحباً، وتعلقاً، فداه (روحي) ولا أملك سواها.
ما لي سوى روحي وباذلُ نفسِهِ
في حب من (يهواه) ليس بمسرفِ