الهادي التليلي
بنيامين نتنياهو الذي خرج من الانتخابات الإسرائيلية بنصف هزيمة ونصف انتصار، أي أنه تأخر عن نفسه في عدد الأصوات وأصبح مصير حزبه مهددًا لا فقط بالانحدار السياسي وإنما كذلك بالتتبع القضائي وحاجته إلى جبهة توحد الصف الداخلي ضد أي هدف تعد مخرجاً يستعيد معه حزب الليكود اليميني بعض ما خسره نتيجة فضائح الفساد المالي والسياسة الخارجية التي نفرت الكثيرين منه فكانت سياسة « خطوتان للأمام وخطوة للوراء»، ولكن في سياق آخر شعار حزب الليكود في هذه المرحلة مقدمة نفسها كذراع لأمريكا في الضغط على إيران من خلال من يمثلها في الساحة الفلسطينية، وذلك بجرهم لمعركة بعد استفزاز مشاعر كل العرب والمسلمين في فضيحة التهجير القسري للفلسطينيين في الشيخ جراح.
في الجهة الأخرى إيران على أبواب انتخابات تجد فيها حكومتها نفسها في معركة محفوفة بالمخاطر في مشهد يتسم بالفشل الاجتماعي والاقتصادي نتيجة الحظر المفروض عليها كعقاب على أنشطتها النووية وتوجهاتها العسكرية في الخارج ويحتاج نظام الملالي إلى أزمة توحد الصف الإيراني وتنسي الجميع الغليان الداخلي الذي قد ينفجر في كل آن وإن كان التعويل على الاتفاق النووي قد حقق لها ذلك في وقت من الأوقات، إلا أن ما يجري في كواليس مؤتمر فيننا يجعل المأمول أقل مما كان الإيرانيون يمنون به أنفسهم، وحتى لا تخسر نقاطًا أكثر في مؤتمر فيننا كان الحضور الإيراني في أزمة فلسطين تحت شعار «على الماء ولا نبتل وعلى النار ولا نحترق»، ليكون الحضور بالوكالة ومن خلال كسب تعاطف المسلمين وتوحيد الجبهة الداخلية.
فلو نظرنا إلى حصيلة إسرائيل من هذه المعركة لوجدنا أنها فيما عدا استعادة الولاء الأمريكي الذي شهد بعض الفتور منذ قدوم إدارة بايدن والديمقراطيين وتوحيد مناصري الصهيونية بافتعال الأزمة وقلب الحقائق التي صار بمقتضاها الجلاد هو الضحية فإنها خسرت أكثر.
أولاً: أمان سكانها وهو الخزان الانتخابي الحقيقي، حيث فقد الأمان بموجب هذه الحرب، الأمان هذا المفهوم المركزي جدًا في استقرار شعب أقدم ساكن فيه لا يتعدى أن يكون من الجيل الثالث بحكم كونه كيانًا مزروعًا في رحم دولة أخرى قديمة قدم التاريخ منذ الكنعانيين وتحديدًا في الألف الثالثة قبل الميلاد، ففقدان الأمان لسكان يعيش في داخلهم خوف دائم كان الاستقرار الذي عاشوه في السنوات الأخيرة، إضافة إلى التفاهمات والاتفاقات مع الفلسطينيين بمختلف جهاتهم والانفتاح على الأجوار بعلاقات مقايضة الاعتراف مقابل العلاقات الاقتصادية، كل هذا الجهد في زرع الطمأنينة لدى سكان يسكن في داخلهم رعب استثمرت الحكومات الإسرائيلية كثيراً في تخفيفه إلى درجة جعلت الاستقرار أمراً واقعاً والتوسع مسألة طبيعية بالنسبة إليهم.
ثانياً: نسف الموسم السياحي، فالاعتداءات الإسرائيلية على القدس وغزة وكل الفلسطينيين ضربت في مقتل الموسم السياحي الذي تراهن عليه إسرائيل خاصة بعد جائحة كورونا، وهنا جدير بالتذكير أن المستثمرين في القطاع السياحي وهم المتضرر الإسرائيلي الأول من هذه الحرب لهم نفوذ يعلو أحياناًً على نفوذ رجال السياسة، فعندما يعطس هؤلاء يصاب الاقتصاد الإسرائيلي بالزكام والاقتصاد بالشلل التام.
ثالثاً: خسارة تعاطف شعوب العالم نتيجة معارك السوشل ميديا وغيرها، فالعالم لم تعد واجهته الإعلامية بعض شاشات وصحف وإذاعات رسمية، وإنما وسائل تواصل اجتماعي يكون كل شخص ناقلاً للحدث وكاشفاً للحقيقة، وهذا ما لم يقرأ له الغرب حساباً لذلك كانت الصدمة بمسيرة لندن المليونية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، فبريطانيا التي زرعت الكيان الصهيوني في المنطقة لم تستوعب أن يخرج شبابها احتجاجًا على جرائم إسرائيل ابنتها الشرعية، وما شاهده العالم عبر وسائل التواصل وبعض الشاشات من جرائم ستبقى وصمة عار على جبين البشرية على مر التاريخ وفضيحة ستلاحق الإسرائيليين ومن ورائهم الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي لم ينتظر عاماً واحدًا منذ توليه الشأن الأمريكي ليسهم بشكل أو بآخر في ارتكاب فظاعة تجعل الداخل الأمريكي يبكي على ترامب وأيامه.
رابعاً: وهذا العنصر قد يصب في مصلحة الديمقراطيين الذين أشيع أنهم يستثمرون في التطرف الديني وتصنيعه خدمة لأغراضهم، وهو ما يفاقم صعوبة التعاطي مع بعد الحرب مع إسرائيل نتيجة العداء الذي صارت محاصرة به في كل بلدان العالم نتيجة ما اقترفته.
خامساً: سقوط كذبة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُهزم والقبة الحديدية التي لا تُخترق وإعطاء الأمل للجميع بأن البعبع لم يقتل في صورته الذهنية وإنما هو بصدد الانتحار البطيء.
في الجهة المقابلة نجد فلسطين خسرت شباباً عزيزاً يعد أحلام بلده دون ذنب اقترفه كما خسرت غزة بنية تحتية كاملة وتحولت إلى ركام في حين اجتهدت إيران في تلميع صورتها وتسجيل نقاط تقارب كافية بتوحيد جبهة الداخل قبيل انتخاباتها والتمديد في عمر حكم نظام الملالي وتلك مزية الحرب على غير أرضك أن تكون خسائرك أقل ومكاسبك أكثر على حساب غيرك.
قد تكون كل من إسرائيل وإيران ابنتين مدللتين للغرب تتنافسان على إرضاء الأب إما بالانتماء الموجب الظاهر ونعني إسرائيل، أو بالانتماء السالب والظهور في صورة المعادي الدائم ونعني هنا إيران، لكن الحق الفلسطيني لم يعد يحتاج إلى اعتراف حكومات كي يظهر للعيان، فيكفي قناعة الشعوب بالقضية الفلسطينية هذه القضية التي رجعت إلى أعلى مستوى اهتمام عالمي، وهذا لم يحسب حسابه نتنياهو ومن ورائه، كما أن الخريطة الجيوسياسية تغيرت فأمريكا لم تعد نصف العالم في الوزن الجيوسياسي بل أقل من ربعه بقليل.
وإن تقادم مجلس الأمن الذي ما زال يقبع في نعش الفيتو وغيره من الامتيازات التي تعد سيفاً على الحقيقة والحق وتتقاطع مع جوهر قيمها الجمهورية التي أفقدتها مصداقية شعوبها حتى يكون السلام عادلاً بين الشعوب لا استسلاماً لأمر واقع الأكثر قوة ومن ثمة إما أن يتغير مجلس الأمن أو على الشعوب أن ترى بديلاً محيناً أكثر عدالة وشفافية ومصداقية حتى لا يقود الظلم إلى ما لا يحمد عقباه، فكلما كانت العدالة في مجلس الأمن كانت المصداقية عالية وثقله أكثر وقعاً مما يجعل منه صمام أمان من كل الحروب، لأن الحل لا في الحرب وتهجير السكان الأصليين وإنما في السلام المبني على احترام متبادل لا تغولَ أو تنمراً عنصرياً فيه.