سهوب بغدادي
لطالما استمعنا إلى شكوى الآباء والأمهات بأن الأطفال أصبحوا يتعرضون لمحتويات سلبية عبر الانترنت، كالمقاطع الخادشة للحياء والمخالفة للفطرة السليمة وتلك المليئة بالعنف والدموية، أو الدعايات الترويجية لأفكار سطحية أو سلع لا هدف لها. من ثم نجد المطالبات بحجب تطبيق ما تارة، ونداءات بمنع لعبة إلكترونية تارة أخرى، والقائمة تستمر.
فعلاً، نتعرض كراشدين لهذه الأمور بشكل يومي وأشد ما نخشى على الأطفال والمراهقين من الأفكار الهدامة أو من تسطيح الفكر بأن يصبح المجتمع استهلاكياً وتنافسياً في هذا النطاق، وأكثر من ذلك من تبعات الثورة الإلكترونية وآثار العولمة، فيما يوصي المختصون بتحديد وقت لتعرض الأشخاص للشاشات (وقت الشاشة) تتسم المهمة تقريباً بالاستحالة في هذه الفترة من الزمن، حيث نعاصر الجائحة العالمية بتفشي فيروس كورونا، الأمر الذي استلزم تعرضنا جميعاً للشاشات لوقت أطول من خلال العمل عن بعد أو التعليم الإلكتروني من خلال منصة مدرستي، فنحن بصدد حقبة انتقالية فيما يتعلق بنظرتنا للثورة الإلكترونية فهل كانت سلبية أم إيجابية؟.
بالطبع كلاهما، إنما بحسب نظرة الفرد واستخدامه. وأرى أن حجب التطبيق أو المحتوى ليس بالأمر الناجع، فما نلبث أن نحجب تطبيقاً إلا ويظهر لنا تطبيق آخر، فسلطة الآباء التقنية على الأطفال قليلة وإن تمت مصادرة الجهاز كلياً، تبقى هنالك طرق أخرى للتعرض المباشر وغير المباشر للانترنت وأقلها بغرض الدراسة التي تتطلب التقنية الحديثة، فليست الأجهزة مثل التلفاز سابقاً، عندما يحرم الطفل من مشاهدة الرسوم المتحركة في الساعة الرابعة عصراً، إذ تنتهي برامج الأطفال في ساعة مبكرة من اليوم وبذلك يتنبه الطفل ويعي العواقب المترتبة، أو باستخدام الرقم السري للقناة الفضائية التي كانت تعتبر مخلة بالأدب وما يجب على الطفل الصغير أن يعرفه في سابق الزمان.
إذن، ما الحل؟ فلن نترك الطفل يسرح في فضاءات الانترنت وجنبات التطبيقات ودهاليز الألعاب الدموية، بل نحاول كمربين أن نرسخ مبدأ الرقابة الذاتية، فما ينشأ داخلياً وينبع من النفس كفيل أن يرجع الشخص للصواب، كما يعد تعزيز المبادئ والقيم والدين بشكل إيجابي أمراً لازماً ليتم اتخاذ ما سبق كأسلوب حياة عملي يسهل تطبيقه مستقبلاً على المواقف اليومية والاستثنائية على حد سواء. في الوقت الذي يبرز دور وزارة التعليم في إرساء المبادئ لدى المجتمعات منذ نعومة الأظافر من خلال المناهج التعليمية عامة والمختصة كالفلسفة وعلم ومهارات التحليل، فإن ترعرع الطفل على الفكر الفلسفي ومبادئ النقد وتحليل المواقف سيتمكن من تقييم نفسه وكل ما يتعرض له تباعاً في الحياة، ولن يكون أكبر همه أن يحجب تطبيقاً ما أو لعبة.
«ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر، ولكنه الذي يعرف خير الشرّين».
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.