مرهف المدني
تعد «الرقمنة» و«الأتمتة» و«التحول الرقمي» من المصطلحات التقنية المتداولة وغالباً ما يتم الخلط بينها واستخدامها بالترادف، بينما يمكن النظر إليها على أنها مسيرة تطور تقني. بدأت هذه المسيرة بالرقمنة، من خلال تحويل شيء ما من عنصر مادي إلى عنصر رقمي أو حاسوبي، على سبيل المثال: تحويل ورقة إلى مستند رقمي عبر تقنية المسح الضوئي. أما الأتمتة فهي تسخير الآلة لعمل مهام بسيطة ومتكررة وفق قواعد محددة وخير مثال على ذلك، أجهزة الصرف الآلي. أما التحول الرقمي فالأمر مختلف تماماً، فمع ظهور العديد من التقنيات المتطورة مثل إنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، والتعلّم الآلي، والذكاء الاصطناعي أصبح لدينا القدرة على تحليل البيانات بشكل أعمق لاتخاذ قرارات مستقبلية أكثر فاعلية تستند على معلومات تاريخية وقراءة للحاضر.
يتبادر إلى الأذهان أحياناً أن التحول الرقمي يتعلّق بالتقنية فقط. في واقع الأمر، تمثّل التقنية والبيانات والعنصر البشري أهم ركائز هذا التحول، حيث يقوم خبراء من قطاع الأعمال بتحليل البيانات، والعمل عن قرب مع خبراء التقنية لتصميم وتعليم «خوارزميات» -حلول يمكن تطبيقها- للحصول على توقعات وتنبؤات خاصة بالأعمال، مما يؤدي إلى إيجاد قيمة مضافة وفتح آفاق عديدة تؤسس حقبة جديدة وثورة صناعية أخرى.
فإذا نظرنا مثلاً إلى الثورات الصناعية على مر السنين، سنستوعب التحول المهم الذي أحدثته كل ثورة في صناعة الأعمال وفي حياتنا الشخصية. فإذا عدنا إلى الثورة الصناعية الأولى في عام 1784م، نجد أن البشرية اكتشفت قوة الماء والبخار؛ ما أدى إلى صنع المحركات الآلية. ثم في الثورة الصناعية الثانية في عام 1870م، تم اكتشاف الكهرباء وتطبيق مفهوم خطوط التجميع والإنتاج. وفي عام 1969م بدأت الثورة الصناعية الثالثة، حيث أحدثت «الأتمتة» و»البرمجة» نقلة في بناء وتشغيل المصانع. أما في الوقت الحالي، وبدءاً من الثورة الصناعية الرابعة، ومع استثمار مزايا الذكاء الاصطناعي في التعامل مع البيانات لتوليد المزيد من الفرص، ما يتيح إحداث نقلة أخرى في تطوير الصناعة. إن استخدام التقنيات الرقمية ليس فقط من أجل تحقيق مصالح اقتصادية، بل يعد ميزة أساسية في بيئة الأعمال التنافسية.
وخلال السنوات القادمة، سيحدد التحول الرقمي مستقبل صناعة الكيماويات العالمية، وإتاحة أكبر قدر من الإنتاجية، إضافة إلى إيجاد أساليب عمل جديدة لتعظيم العائدات.
وقد أدركت (سابك) مبكراً أهمية التحول الرقمي في تحقيق رؤيتنا لنصبح الشركة الرائدة عالمياً في صناعة الكيماويات. وخلال رحلتنا للتحول الرقمي؛ سنستثمر الثورة الصناعية الرابعة لتطوير قدرتنا التنافسية، وتعزيز ريادتنا في مجال صناعة الكيماويات. وسنحقق ذلك من خلال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي، وسنصبح شركة استباقية تقودها البيانات.
تعد البيئة والصحة والسلامة والأمن في مقدمة أولويات (سابك)، فهي جزء لا يتجزأ من ثقافتها. ولذلك طوّعت الشركة التقنيات الحديثة والناشئة لتحسين مخرجات الأداء في هذه المجالات. وستنقلنا رقمنة البيئة والصحة والسلامة والأمن إلى حقبة جديدة معزّزة بالتحليلات، للارتقاء بأداء السلامة والاستدامة.
يعد قطاع التصنيع أحد القطاعات المهمة في التحول الرقمي من خلال العديد من المبادرات التي ستسهم في موثوقية المصانع وسلامة أصولها، علاوة على ذلك ستشمل مسيرة التحول الرقمي في الشركة قطاعات أخرى مثل الموارد البشرية، والتقنية والابتكار، وسلاسل الإمدادات، والمبيعات والمشتريات، والتسويق، والمالية والمشاريع، مما سيضيف قيمة تنافسية كبيرة للشركة - بإذن الله.
نعيش حالياً في زمن يتغيّر فيه العالم بسرعة، حيث يشكّل التحول الرقمي مكوناً أساسياً في النمو وتعزيز القدرات التنافسية، ويمثِّل فرصة واعدة في مستقبل صناعة الكيماويات العالمية، وسيتجاوز أولئك العاجزين عن مواكبته والتأقلم معه. إما أن ترتقي بالتغيير أو تتعثر بالمتغيِّرات!
** **
- نائب الرئيس للتحول الرقمي، (سابك)