د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
صدر تقرير عن وكالة الطاقة الدولية في 18/5/2021 يطالب بتخلي العالم عن أي مشروع للتنقيب عن النفط أو الغاز، وعدم بيع أي سيارة تعمل بمحرك حراري جديدة بعد عام 2035 إذا كان العالم يريد تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 والتمكن من حصر الاحترار المناخي بحدود 1.5 درجة مئوية، يسبق انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول التغير المناخي (مؤتمر الأطراف السادس والعشرون) من شأنها السماح بتحقيق هذا الهدف.
لا شك يحتم تحقيق الحياد الكربوني تغيير مشهد مصادر الطاقة بشكل شبه كامل مع تراجع كبير في الطلب على الطاقات الأحفورية يقابله تزايد الطلب على مصادر الطاقة المتجددة، بالطبع هذا التقرير صادر عن الوكالة للطاقة الدولية التي لا تمتلك دولها وقوداً أحفورياً، وهي في أمس الحاجة إلى وقود بديل، وفي نفس الوقت من أجل تحقيق أهداف المناخ، ولكن السؤال هل هذا التقرير واقعي؟ الذي يطالب بزيادة قدرات الطاقة الشمسية أربع مرات بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2020، وتتوقع الوكالة أن يولد 90 في المائة من الكهرباء بحلول عام 2050 من مصادر طاقة متجددة، وجزء كبير ما تبقى من الطاقة النووية، وستقتصر مساهمة مصادر الطاقة الأحفورية على الخمس فقط مقابل 80 في المائة للطاقة المتجددة، مما يتطلب استثمار 5 تريليونات دولار سنوياً بحلول عام 2030.
حتى الشركات الغربية لا تختلف في توقعاتها كثيراً عن وكالة الطاقة فمثلاً BP تعتقد أن 320 مليون سيارة كهربائية ستكون بحلول عام 2040 مقارنة مع حوالي 2 مليون سيارة في عام 2016، لكن تختلف عن نظرة أوبك عن تعطش العالم للنفط الخام في النمو خلال عام 2040 رغم اعترافها من أن الطلب على النفط سيتباطأ بشكل تدريجي بسبب زيادة كفاءة الطاقة والمنافسة القوية من مصادر الطاقة الأخرى.
حيث لا تزال الكهرباء تشكل 0.2 في المائة من إجمالي عدد سيارات الركاب، ولا يزال هناك 785 ألفاً من سكان العالم من دون تيار كهربائي، وتوقعت شركة BP أن يساهم النفط بنسبة 85 في المائة من إجمالي الطلب على وقود النقل مقارنة مع 94 في المائة اليوم، واعترفت BP بصعوبة التنبؤ بشعبية السيارات الكهربائية في المستقبل.
ما يعني أن تقرير وكالة الطاقة الدولية يعتمد على عوامل سياسية ودوافع اقتصادية غير واقعية، وأن التوقف عن التنقيب عن النفط والغاز أيضا غير واقعي، بل التوقعات تشير إلى أن الطلب على النفط سيزيد في 2040 بسبب أن دولاً نفطية سيتوقف لديها النفط وتصبح مناطق إنتاج النفط محدودة وتتركز في منطقة الشرق الأوسط (السعودية، إيران، العراق، الكويت، الإمارات، بجانب فنزويلا خارج منطقة الشرق الأوسط)، بينما في السابق كانت وكالة الطاقة زادت الاحتياطيات المؤكدة في كندا بشكل مفاجئ في عام 2003 عندما أصبح النفط الرملي في البرتا قابلاً للإنتاج اقتصادياً، وبالمثل قفزت الاحتياطيات المؤكدة في فنزويلا في أواخر 2000 عندما تم اعتبار النفط الثقيل لحزام أورينوكو اقتصادياً.
هناك نظرة أكثر واقعية تقدمت بها السعودية خلال رئاستها لمجموعة العشرين، حيث شجعت إطار الاقتصاد الدائري للكربون التي يمكن من خلالها إدارة الانبعاثات بنحو شامل ومتكامل بهدف تخفيف حدة آثار التحديات المناخية، وجعل أنظمة الطاقة أنظف وأكثر استدامة وتعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة والوصول إليها.
تعتبر السعودية الحفاظ على كوكب الأرض ذا أهمية قصوى، في ظل زيادة الانبعاثات الناتجة عن النمو الاقتصادي، وتود السعودية أن تكون رائدة في تبني منهجيات مستدامة وواقعية ومجدية التكلفة لتحقيق الأهداف المناخية الطموحة.
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة