د.عبدالله بن موسى الطاير
وضعت الحرب أوزارها، وكلا الطرفين أعلن انتصاره. لا بأس، فالانتصارات نسبية إذ لم تغيّر شيئا في معادلة القوة على الأرض. إسرائيل تعرضت لدرس قاس بسبب الصواريخ الجديدة التي دخلت الخدمة لأول مرة في الحروب المتبادلة بين حماس وإسرائيل، وسكان غزة الأبرياء دفعوا ثمن انتصار حماس.
ولا ريب أن إسرائيل خسرت كثيرا على مستوى الرأي العام العالمي، وفي دوائر القرار أيضا رغم المجاملات التي لا تنتهي؛ فلأول مرة ترتفع أصوات من الكونجرس الأمريكي تنتقد ضعف الدور الذي يقوم به البيت الأبيض في لجم العدوان الإسرائيلي على غزة. لكن طبيعة النظام الإسرائيلي تسمح له بإجراء مراجعات على الصعيدين الداخلي والخارجي، وسوف تتوجه تل أبيب بقوة لترميم علاقتها مع الرأي العام العالمي وبخاصة الأمريكي، وسوف تستهدف النواب الذين وجهوا لها نقدًا لاذعًا وعلانية، وهذا لم يكن يحصل من جانب الكونجرس إلا فيما ندر ومن قبل عضو أو عضوين.
وإذا كانت إسرائيل ستخوض مراجعاتها من خلال مؤسساتها الديمقراطية، فإن السؤال يبقى قائما عن طبيعة المراجعات التي ستقوم بها السلطة الفلسطينية، وهل في فلسطين سلطة واحدة أم سلطتين، وماذا كان دور سلطة رام الله على الصعيد العسكري، وهل كانت تتحرك سياسيًا لدعم مجهود حماس أم لتأكيد وجودها؟ وبصياغة أخرى؛ ما أدوات المناورة التي تملكها السلطة الفلسطينية في وجه البلطجة الإسرائيلية، وماذا كان موقفها بينما مفاوضات التهدئة جارية بين مصر وحماس وإسرائيل؟ في عالم اليوم إذا لم يكن لديك ما تخيف به العالم من حولك، أو لديك ما يحتاجونه فكأنك غير موجود، فليكن ما حصل درسا للسلطة الفلسطينية لمعرفة ما لديها من أدوات تفرض حضورها في كل أمر يخص فلسطين. لم أسمع شخصيا تصريحا حمساويا يذكر فيه أبا مازن، ولا السلطة الفلسطينية، ولم أسمع تصريحا للسلطة الفلسطينية يبارك ما قامت به حماس، فكيف ستكون العلاقة بين حماس وفتح، أو العلاقة بين السلطة وحماس؟ وهل ستميل أي محاولات قادمة لإحياء عملية السلام إلى إشراك حماس إلى جانب السلطة كما لوح مصدر أوروبي، على اعتبار أنها سلطة الأمر الواقع في غزة؟
أُدرك أن السلطة قد تخلت عن أنيابها وأظافرها منذ أن جنحت للسلام ووقعت اتفاقية أوسلو عام 1993م، ولكن من الظلم أن تنحر السلطة وحركة فتح كل أدواتها الحيوية قربانا للسلام، ولا تقدم إسرائيل شيئا في المقابل، مما جعل السلطة في وضع لا تحسد عليه, وليس من شك أن حماس قد اشترطت لنفسها، ما تبقيه سرًا إلى حين، في سبيل الموافقة على الهدنة. هذا السر يؤرق رام الله، لكن لا أحد يعبأ بما يقلق أبي مازن الذي تُرك وحيدًا في مواجهة طائفة من قومه تتحرك منفردة، وعدو إسرائيلي لا يعبأ بالسلام الذي يتوسده الرئيس محمود عباس بانتظار من يبعثه من مرقده.
لكل شعب محتل حق المقاومة المسلحة إذا كان لا يريد تكرار مدرسة غاندي ومانديلا في المقاومة السلمية، وحركة فتح لم يعد لديها القدرة على المقاومة المسلحة، ولذلك تنفرد حماس والجهاد الإسلامي بهذه الميزة. ولهذا يجب أن تتخذ هذه الأزمة فرصة للمراجعات إما بتسليح فتح مرة أخرى، وإما بقطع حبل التواصل بين حماس وإيران. وبعبارة أخرى؛ إما أن تتوحد الفصائل الفلسطينية على المواجهة العسكرية أو أن تلج جميعها بوابة السلام، وهنا تُرغم إسرائيل على العودة للحوار. انفراد حماس بالمشهد سوف يُرخي المقاومة الدولية لحماس، وسيقال إن إبرام السلام مع طرف قوي حقيق بالتنفيذ والديمومة، وليس لدى إسرائيل مانعًا من قلب ظهر المجن للسلطة الفلسطينية وبدء مسار للحوار مع حماس.