د. تنيضب الفايدي
أحبّ الأنصار رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً امتزج بمشاعرهم وملك أحاسيسهم وفدوه بأرواحهم وبكلّ غال ونفيس، وأحبّه كلٌّ من رجال الأنصار ونسائهم، فقد ورد أنه لم يبق رجلٌ ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أهدى شيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ورد أن من نساء الأنصار من تنسج لرسول الله صلى الله عليه وسلم بردة بيدها، ومنهنّ من ترسل له طعاماً أو تدعوه صلى الله عليه وسلم إليه، ومنهنّ من تقدم له تحفة لتدخل الفرح إلى قلبه، بل منهنّ من وهبت نفسها له، ولكن أم سليم لا تملك شيئاً؛ لأنها فقيرة، وقد صرّحت بذلك أم سليم رضي الله عنها بنفسها، حيث رأت الأنصاريات يتحفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تجد شيئاً تهديه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى ابنها أنس بن مالك وكان في الثامنة أو العاشرة من عمره، ليس لديه لباس لا إزار ولا رداء، فعمدت إلى خمارها وقطعته نصفين فأزّرته بنصفه وجعلت النصف الآخر له رداء، ثم انطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتحفك وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا بُنيّ هذا فخذه ليخدمك ما بدا لك، وادعُ الله له، قال أنس: فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا به، وكان مما قال: «اللهم ارزقه مالاً وولداً وبارك فيه» فأصبح لأنس بن مالك رضي الله عنه بتلك الدعوة المال الكثير وإن له بستاناً ليحمل في السّنة مرتين، ووُلد من صلبه مائة وتسعة وعشرون ولداً وخدم أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وما قال له: لم فعلت أو تركت وما عبس في وجهه قط أو غضب لأي عمل أو فعل عمله أنس، يقول أنس رضي الله عنه: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أفٍّ قَطّ، وما قال لشيء صنعته لِمَ صنعته، ولا لشيء تركته لِمَ تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلُقًا، ولا مسست خزًّا قطّ ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكًا قطّ ولا عطرًا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنه تحفة أم سليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها وعن ابنها أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن الأنصاريات جميعاً، حيث أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكنُّ لهنّ الحبّ فعن أنس رضي الله عنه قال في حقّهنّ: «الله يعلم أنّ قلبي يحبّكنّ».