رمضان جريدي العنزي
الجفاء صفة ذميمة، وخلق سيئ، وسلوك موحش، يشبه الظلمة والظلام، والكهف والدهليز والبئر المهجور، إنه هدم وقطع وخراب، ونفرة وتباعد، وغلظة وقسوة، وصاحب الجفاء لديه سواد قلب، وسقم نفسي بائن، ومظهر مستعار، أعماله مريرة، ومخاضاته الاجتماعية صعبة، مرجل من الغل يغلي، يظهر المودة، ويخفي البغض والكره، ويسلك معابر التيه والضياع، قراءاته خاطئة، وأفكاره لا تستند إلى مدارك سليمة، ولا يبالي بالآخرين مهما كانوا ناصحين ومشفقين، الذاتية عنده عالية، والنرجسية عنده سقفها مرتفع وبعيد، حساباته خاطئة، وأوهامه قاتله، وغباؤه غليظ، يشبه القشرة، والمنحدر السحيق، سلبي وهامشي، وأفكاره رقيقة، يشعل الحريق، ويكره وسائل الإطفاء، يكدر صفو العلاقات، ويسعى بركض محموم لقطع وشائج الصلات، بضاعته كاسدة، لكنه يحاول بيعها غشاً وزيفاً وخداعاً، لا يهدأ له بال، ولا يعرف راحة بال حتى يقطع حلقات الوصل والاتصال بين الناس، لديه صراع نفسي محتدم في التفرقة والهجران، يريد كل شيء أن يوافق مزاجه وهواه، ضميره ميت، لهذا لا يتورع عن قول الزور والبهتان. إن من أبشع ما ينحدر إليه الإنسان أن يصل إلى مرحلة يختلف فيها ظاهره عن باطنه، فيصدق عليه المثل: يعبث مع الذئب، ويبكي مع الراعي، إنه يبرم عقداً وثيقاً مع الشيطان، يبرز على المسرح بوجه، وحين إغلاق الستارة بوجه آخر، مجاف للعدل والقيم وتعاليم الدين الحنيف، زئبقي في الفعل والحديث، لديه مهارة وبراعة في الكر والفر والتملق، فارس في البهت والتأليف والتحريض، انتهازي، ولديه خلل في الشخصية، وبالجملة فالجفاء والغلظة يبغضهما الله عز وجل والملائكة والناس أجمعين، وعلى المؤمن أن يتخلى عن الجفاء والقسوة والعبوس وسوء المعاملة والتكبر والكبرياء، وأن يتحلى بمعاني الرفق والرحمة والبر والعطف والحلم وصلة الرحم، وأن يجاهد نفسه في البعد عن موبقات الأعمال والأخلاق والسلوكيات والتعاملات المفضيات إلى منغصات الحياة، عليه أن يكون هيناً ليناً سهلاً، ذلولاً منقاداً للحق يألف ويؤلف ولا خير في الجافي القاطع الذي لا يألف ولا يؤلف، يبعد ولا يقرب. عن أبي خراش السلمي - رضي الله عنه - أنه سمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من هجر أخاه سنه فهو كسفك دمه). على المؤمن الحق إلا يكون غليظ القلب، قاسي القول والعمل، عليه أن يكون جامعاً لا مفرقاً، وأن لا يغلو ولا يفرط في الهجر والبعد والجحود والنكران.