د.أحمد بن عثمان التويجري
فقدت المملكة العربية السعودية فجر يوم الجمعة الماضي عميد المحامين السعوديين وأحد رجالات المملكة الذين عملوا في مجلس الوزراء في عهد الملك فيصل رحمه الله، هو المحامي الكبير الأستاذ صلاح بن إبراهيم الحجيلان. كان أخاً وصديقاً ورفيق درب رحمه الله. عرفته منذ ما يزيد على سبعة وعشرين عامًا، وتوطدت علاقتنا مع الأيام حتى صرنا شقيقين وروحاً في جسدين. تجاورنا في مدينة الرياض وتولينا قضايا قانونية مشتركة، وسافرنا عشرات المرات خارج المملكة، ووجدته في كل ذلك نعم الجار ونعم الزميل ونعم الصديق والرفيق رحمه الله.
كان من أوائل السعوديين الذين امتهنوا مهنة المحاماة التي آثرها على منصبه وعمله المرموق مستشاراً قانونياً في مجلس الوزراء، وقد تمكن خلال سنوات قليلة من جعل مكتبه واحداً من أكبر وأهم مكاتب المحاماة في المملكة إن لم يكن أكبرها وأهمها على الإطلاق. كان ذكياً في غاية الذكاء وصاحب قدرة فائقة على اصطياد الفرص السانحة. استطاع أن يستقطب كبريات الشركات الأجنبية العاملة في المملكة للاستفادة من خدمات مكتبه، بعد أن تمكن من مشاركة واستقطاب عدد من أكبر شركات المحاماة في العالم للعمل تحت مظلته. تولى قضايا كبيرة وخطيرة داخل المملكة وخارجها من ضمنها قضاياً مثل فيها الدولة، وكان رباناً ماهراً في إدارتها قانونياً وإدارياً وسياسياً. تشاركت معه في أكثر من قضية من ضمنها تمثيل خمسة من المتهمين الأجانب كانوا متهمين بتنفيذ تفجيرات في منطقة الرياض والمنطقة الشرقية، فوجدت فيه تجرداً في أداء واجباته القانونية رغم حساسية تلك القضايا وكونها تضع من يتولاها في مواجهة مباشرة مع بعض أجهزة الدولة.
كان سليم القلب كثيراً ما يعطف على الضعفاء والمساكين ويتألم للمظلومين، ورغم انفعالاته الشديدة في بعض الأحيان فقد كان في داخله إنساناً من أرق الناس. كان لا يحتمل رؤية دموع أي أحد وبخاصة الأطفال والنساء. وكان صاحب نخوة في الملمات، ومن مواقفه الشهمة أنه عندما أعفي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله من منصبه بادر بكتابة خطاب إليه مساء اليوم الذي أعفي فيه يعرض عليه فيه أن يكون شريكاً له في مكتبه دون مقابل.
كان صاحب علاقات واسعة وموسوعة متحركة لتاريخ المملكة الإداري، مثلما كان موسوعة في معرفة الناس. لم أسأله في أي يوم من الأيام عن أي أحد إلا وأخبرني مباشرة تفاصيل كثيرة عنه وعن حياته العملية. كان جاداً في عمله وكان في الوقت ذاته خفيف ظل وصاحب نكتة لا تفارقه أبداً رحمه الله. لا أحصي المواقف الطريفة التي كان بطلها وكنت شاهدًا عليها.
كان صريحاً إلى درجة كبيرة، وكان ما في قلبه يجري على لسانه، ولذلك اختلف مع كثيرين، لكنه سرعان ما كانت علاقته بهم تعود إلى ما كانت عليه وربما لأفضل؛ لطيبة قلبه ولقدرته على التصالح مع نفسه ومع من اختلف معهم. وقد انعكست هذه الخصلة على عمله المهني فقد كان يؤثر المصالحات والتسويات التي كان ماهراً في التمهيد لها ثم في إنجازها. كان مكتبه مدرسة لتخريج المحامين وأكاد أجزم بأن الغالبية العظمى من أصحاب مكاتب المحاماة الكبيرة الموجودة في المملكة اليوم كانوا من تلاميذ مدرسته ولا يدانيه في ذلك أي مكتب آخر. حثثته منذ سنوات على تدوين مذكراته لعلمي بأنها تشكل ثروة نادرة من حق الأجيال أن تطلع عليها، وقد سرني كثيراً عندما بدأ منذ سنوات في ذلك وأملي أن يكون قد أتمها، وأن يبادر أبناؤه حفظهم الله بنشرها في أقرب وقت.
كان آخر اتصال بيني وبينه مكالمة بالفيديو قبل وفاته بليلتين، وكان في كامل صحته ونشاطه رحمه الله. وفي وقت مبكر من صبيحة يوم الجمعة وجدت في هاتفي مكالمة فائتة منه أجراها قبل وفاته بأقل من ساعة وكأنما أراد بها توديعي قبل رحيله رحمه الله. ما أعظم فقد أبي حسام، وما أصدق قول الدكتور غازي القصيبي رحمه الله في التعبير عن حالي بعد فراقه:
صاحبٌ بعدَ صاحبٍ بعدَ صاحبّ
تتبارى إلى القبورِ المواكب
يا صفيّ الفؤاد والعمرُ غَضٌّ
ما أمرَّ الفراقَ والعمرُ شاحبْ
رحم الله أخي وصديقي أبا حسام وتغمده بعفوه وكرمه وإحسانه، وبدل سيئاته حسنات، وجمعنا به في جناته، وأحسن عزاء أم حسام وحنين وحسام وسلطان وفارس، وأحسن عزاء أخي الأكبر أبا عماد معالي الشيخ جميل بن إبراهيم الحجيلان وأخي السفير محمد بن إبراهيم الحجيلان وجميع أسرة الحجيلان الكريمة، وأحسن الله عزاءنا وعزاء الوطن فيه، وإني لأرجو أن تكون وفاته في فجر يوم جمعة والعدد الكبير لمن دعوا له في ذلك اليوم المبارك ومن شهدوا جنازته بعد ذلك من البشائر له بإذن الله.
اللهم تغمد أخي أبا حسام بعفوك وكرمك، واجمعني به في جنتك، إنك أنت السميع المجيب.