منارة مضيئة وصفحة خالدة من الزمن الجميل قد رحلت... بالأمس الأول فُجِعنا برحيل والد الجميع معالي الشيخ فيصل بن محمد الشهيل، إحدى القامات العظيمة إعلامياً ورياضياً واجتماعياً، فجيعة راكمت الخسارات التي لا تعوض، تاركاً عطره يفوح في قلوب الأحبة، ومسيرة نبيلة ستكون حديث الناس، و(إنما المرء حديث بعده)..
لقد اختار الفقيد مملكة البحرين لتحتضن بعض مشاريعه التجارية، وأسسَ فيها منبراً إعلامياً رياضياً تخرجت منه أجيال، وعاشت تحت ظله أُسر، وجمع من خلاله القلوب..
بعدما علمتُ بنبأ وفاة الشيخ فيصل ظننت وتمنيت في آن واحد أنه مجرد شائعات قروبات (واتس اب)، لم أصدق أن وعد السماء قد حان، ونادى المنادي: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}، على الفور هاتفتُ الأخ الدكتور الإعلامي مبارك الدوسري رفيق دربه، وأكد لي بنبرة حزينة مليئة بالحزن والأسى نبأ خبر رحيل هذه الشخصية الشاملة، التي لا تعرف إلا الخير والإحسان والبر وحب الأوطان..
كثيرة هي المواقف المؤثرة التي جمعتنا مع الفقيد العزيز، تعلمنا منه الكثير، ونحاول أن نطبق بعضاً منها في مسيرة حياتنا اليومية. لا شك أن هذه الصفات المشرقة القيمة لمسها كل من تعامل مع هذه الشخصية العملاقة، يشعرك وأنت تتحدث معه كأنك تسمع لمحاضرة جامعية؛ فهو رجل قيادي محنك، محارب صنع ذاته برجولة وشموخ، وكان مضرب مثل في التواضع والعلم والمعرفة.
في هذه الكلمات الرثائية هناك الكثير من المواقف أود أن أتحدث عنها، ولكني سوف أختزلها وأذكر منها بعض مواقفه الإنسانية الخيرية. عندما أخبرته ذات يوم بأن هناك الكثير من الخطابات الموجهة لمعاليه تصل إلى مكتب جريدة (الرياضي) في المنامة، والتي كنتُ آنذاك مديرًا لمكتبها في البحرين، وطلب أن أعرضها عليه، وعلى الفور وجدت سرعة الاستجابة وتقديم العون والمساعدة، ولم يهمل أي خطاب، بل على العكس حتى عندما انتقل مكتب الجريدة للدمام لم يتردد في مواصلة هذا النهج الإنساني في تقديم الدعم والعون لكل محتاج، وأيضاً لا أنسى هذا الموقف، إذ كان حريصاً كل الحرص على عدم تأخير مستحقات أي موظف، حتى في أصعب مراحل ظروف الجريدة.
فمن الطبيعي أن تحزن النفس على مثل هذه الشخصية الفذة التي تركت بصماتها الإنسانية والعملية في كل مكان، من خلال تأسيسه العديد من الصحف السعودية، إلى جانب مناصبه القيادية التي تولاها في بعض الاتحادات الرياضية والأندية، وهي في الحقيقة محطات خالدة، ونبراس مضيء للأجيال في شتى المواقع..
الفقيد العزيز كان أباً وصديقاً للجميع، الاختلاف معه يزيدك احتراماً، كان نموذجاً نادراً يتعامل مع الإعلام والإعلاميين باحترام، رجل يمتلك بُعدَ نظر وحكمة عالجت الكثير من الخلافات العميقة.
رحيلك أبا منصور أعاد بي ذلك الزمن الجميل عندما تشرّفت بالعمل معك في جريدة الرياضي، وحينها نستذكر كم منحتنا قلباً وروحاً أبوياً لا مثيل له..
منذ أن عرفتك كانت حكايتك واحدة لا تتغير، ونظرتك لا تخيب، ومثلك لا يخلف المواعيد.. شعرت بعظيم كلامك في آخر حديث معك في شهر رمضان المبارك المنصرم، وكأنك اختزلت معرفة كل هذه السنين في كلمة وداعية: (أنت وفيٌّ يا أحمد)، شعرت أنها خاتمة تلك العلاقة الإنسانية المميزة..
كيف لا أصيرُ وفياً لمن منحني قلباً من الحب، ودرعاً حامياً من تحديات الزمن..
لقد رحل المعلم، الذي لا تمل من سماع حديثه، رحلت الشهامة والنخوة والفزعة..
أبا منصور نسأل الله لروحك الرحمة والمغفرة والرضوان، ونحتسبك عند الله على خطى الصلحاء، وأسكنك جنان الخلد في أعلى عليين..
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}..
** **
أحمد إبراهيم - مملكة البحرين