يبقى المطبخ لدينا في مساكننا بؤرة الاهتمام ويحوز على ميزانية تطغي على الأجنحة الأخرى فتجدها فئات خمس نجوم.. وقد عملت أدراجه لتستوعب مئات القطع من الأواني المعدنية والزجاجية والخزفية والبلاستيكية ناهيك عن ثلاجات وحافظات وأفران وشوايات.. وكل ما أنتجته المصانع العالمية والمحلية وقد جلب له ما لذا وطاب من الأطعمة والمشروبات لكن هذا الأنيق والمثالي قد يصبح تحفة ثابتة أو ديكوراً جميلاً يتم التعامل معه من البعض بالحد الأدنى.
من تجاوز العقد السادس ربما بلا شك أدرك ذلك المطبخ الطيني ولاسيما بالأرياف وما يطلق عليه (الموقد) في بعض المناطق لكثرة ما توقد به النار من الحطب وربما كرب النخل.. لذا نجد جدران ذلك المطبخ قد تشبعت بالدخان وكساها السواد بعد فترة وكانت العيون ترقب ذلك القدر الذي لفه السواد من الخارج.. لكنه يبقى وفياً في إطعام أهل البيت.. وربما كان القدر الأكبر ينتظر دوره في حالة المناسبة الطارئة أو قدوم ضيف عزيز أو دورية الحي.
لكن اليوم لم يعد المطبخ الحديث بالمنزل هو المسئول الوحيد عن إطعام الأسرة ووجبة الغذاء، فالمدن والمحافظات تعج بالمطاعم والمطابخ والبوفيهات والوجبات السريعة ومحلات الحلويات والمعجنات.. حتى أصبحت أعدادها ضرباً من الخيال وتحولت مهنة الطبخ لعالم الرجال، وبدأت تلك المطاعم والمطابخ تسحب البساط عن المطبخ المنزلي ولاسيما مع ثورة الاتصالات وبرنامج توصيل الطلبات فبقيت أرقامهم المفضلة.. وبقى المطبخ المنزلي يعاني الهجرة والعزلة إلا من القلة التي لا تؤمن كثيراً بنظافة بعض المطاعم أو وجودة إعدادها وطهيها.
فهل نحن أمام ظاهرة واقعية «مكره أخاك لا بطل».. وهل ننتظر القادم أن نسوق مطابخنا للتقبيل ونكتفي (بالبوفيه) الصغير وإعداد القهوة والشاي والتي أخشى أن يسُوقها مرسول إلينا!! فتبقى مطابخنا مخازن لمئات الأواني المعطلة عن الاستعمال.. إن ثورة الدعاية والإعلان وفن التسويق جعلت الطعام من خارج المنزل هو الوجبة الرئيسية للبعض، لكن تبقى هناك معادلة طردية وهي كلما ازداد أعداد المطاعم والوجبات السريعة تزايد عدد الصيدليات..!! فهل نقلب المعادلة ونبقى أصدقاء لمطابخ منازلنا وننعم بصحة وعافية.. آمل ذلك.