الهادي التليلي
محاولة فرنسية أخرى لإعادة الاندماج في القارة السمراء.. القارة السمراء التي تعتبر القارة الأقل تضرراً من جائحة كورونا، حيث لم يتجاوز عدد الوفيات فيها 130 ألفاً، ومع ذلك تشهد اقتصادياتها ركوداً يتوقع أن يصل إلى 300 مليار دولار بحلول 2023 نتيجة عوامل متعددة منها السياسي والأمني والاقتصادي والخارجي الذي يعد الاستعمار الاقتصادي الأجنبي -ولا سيما فرنسا- من عرابيه، فإفريقيا التي تشهد تحولات تجعل دول الاستعمار القديم الجديد محاولة تحيين الوجود والحضور فكانت المبادرة بعقد قمة باريس لدعم اقتصاديات الدول الإفريقية انطلاقا من 17 مايو 2021.
القمة التي انطلقت بمبادرة دعم السودان والتي بمقتضاها تنازلت فرنسا عن ديونها للسودان والمقدرة بـ5 مليارات دولار، كما تم الاحتفاء بالثورة السودانية بشكل يشي بالرغبة الجامحة لماكرون في قطف ثمارها في سياق إعادة التموقع بشكل جديد وكسب أسواق واعدة لما تتوفر عليه السودان من مقومات النجاح، فكأن فرنسا سليلة الثورة الفرنسية ترحب بثورة السودان الفتية والواقع المعيش، بل في نفس الوقت الثورة الفلسطينية قضية القضايا ضد الاستعمار الصهوني تعيش غليانا واجهت فرنسا المتعاطفين معه والراغبين في القيام بمسيرة سلمية بقمع لا يقل عن قمع الإسرائيليين للفلسطينيين.
قمة دعم القارة السمراء والتي حضرها عدد من القادة الأفارقة كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والسوداني والأثيوبية سهلورق رودي والسوداني عبد الفتاح البرهان والتونسي قيس سعيد و الكوت دي فوار حسن واتارا وغيرهم، إضافة لعدد من رجالات الدولة الأفارقة والأوروبيين وخطوط التمويل والدعم كما أقيمت ورشات للتخطيط الإستراتيجي في الاقتصاد والتنمية المستدامة.
هذه القمة شهدت مداخلة لافتة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عبر خلالها على ضرورة الخروج بنتائج ملموسة تمس التنمية والاقتصاد تجعل من هذه البلدان مكتفية بذاتها بانية نجاحاتها مبدياً عن الإرادة السعودية لمواصلة دعمها لهذه القارة، حيث إن السعودية تعد من أكثر الداعمين لهذه القارة حيث قدمت 580 قرضاً ومنحة لأكثر من 45 دولة بما يوازي 13.5 مليار دولار، كما أن المملكة مساهم قوي في مجال دعم الاستقرار والأمن وحل النزاعات وشريك دولي بحكم مكانتها وحجمها على المستوى الدولي في المشاركة في دعم الجهود الدولية في محاربة الجماعات الإرهابية والتطرف وتحسين قدراتها الأمنية، وقدمت ما يفوق 100 مليون يورو لهذه الجهود، كما أن صندوق الاستثمارات العامة الذي بادر بـ200 مليون يورو لفائدة دعم اقتصاديات وتنمية القارة علما بأن هذا الصندوق قام في تدخلات جد فعالة في عدد من المشاريع والأنشطة التي تمس قطاعات الطاقة والتعدين والاتصالات والأغذية برأس مال قدره 15 مليار ريال سعودي، كلمة ولي العهد التي كان لها صدى في باريس وفي القارة الإفريقية تعرضت كذلك لاتفاق جدة بين أثيوبيا وإرتريا وأيضاً لمبادرات قمة مجموعة العشرين والتي تنص على تعليق الدين بما وفر سيولة عاجلة تقدر بأكثر من 5 مليارات دولار أمريكي استفادت منها 73 دولة فقيرة منها 38 دولة إفريقية. المملكة التي لها دعم كبير وتنسيق قوي مع منظمة الاتحاد الإفريقي وقامت بعديد الآثار المسجلة في الذاكرة والتاريخ الإفريقي ولعل من بينها العمل مع تجمع ساداك لمجموعة الساحل بدعم الموزنبيق وقدراتها في مختلف المجالات تستعد لعقد القمة السعودية الإفريقية والقمة العربية الإفريقية قدمت لشقيقتها السودان منحة للمساهمة في تغطية الفجوة التمويلية لدى صندوق النقد الدولي بـ20 مليون دولار بالإضافة لتحويل رصيد المملكة في حسابي الطوارئ والرسوم المؤجلة لدى صندوق النقد الدولي للمساهمة في معالجة متأخرات الدين.السعودية التي حققت الكثير من النجاحات والنتائج والإنجازات الهامة لم تكتف في جهود الراهن بل سعت لأجيال المستقبل آخرها الجهود في مقاومة الاحتباس الحراري من خلال مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر فيها غرس 50 مليار شجرة وتخفيف الانبعاثات الكربونية بـ10 بالمائة.
المملكة التي تقدم درساً في دعم القارة السمراء، وذلك من منطلق قيمها ومبادئها السامية الداعمة لكل الإنسانية وخاصة خلال جائحة كورونا تقدم درسا للبشرية وتقدم نفسها وبثقلها الإستراتيجي مساهماً في غد إفريقي واعد خارج مدارات الاستعمار الغربي وداخل الأخوة البشرية الراقية.
والحال أن الغرب الذي أغرقته كورونا يسعى لإعادة التموقع في هذه القارة وغيرها لغايات براغماتية تأخذ باليد اليسرى ما تقدمه باليمنى.