خالد بن حمد المالك
ربطتني به العلاقة الأخوية، والصداقة، والعمل الصحفي المشترك، وهو من فتح لي باب العمل في الصحافة، وشجعني لآخذ مكاني ومكانتي بين زملاء منهم الأحياء ومنهم من ماتوا -رحمهم الله-، ولا أعتقد أن أحداً اقترب منه، أو تعرَّف عليه، أو زامله في عمل، أو كان له فرصة بأن يلتقيه في الداخل أو الخارج، إلا وكان سعيد الحظ، فهو أمام الرجل المتواضع، الكريم، ذي الخلق، الشهم، الإنسان، ذي المروءة، وصاحب الابتسامة، والجليس الأنيس.
* * *
هكذا عرفت وتعرفت على فيصل بن محمد الشهيل منذ أكثر من أربعين عاماً، حيث الوفاء، والصدق، والشهامة، واحترام الناس، فلا خصومات له مع أحد، ولا خلافات مع أي كان، دمث الأخلاق، يخجلك بتواضعه، ويحببك بنفسه، ويشجعك على التواصل معه، ويعذرك حين تقصر، أو يغيب صوتك لفترات عنه، فالرجل خصَّه الله بصفات ومواصفات لا تجدها إلا في قليل من الناس، كما هي في الغالي والحبيب أخي وصديقي الفقيد فيصل الشهيل.
* * *
لقد عاش سنواته الأخيرة يعاني من عوارض صحية، لكنه لا يعترف لأصدقائه ومحبيه وأقربائه بها، ويرى أنها عوارض وتزول، فهو لا يريد إزعاج أقرب الناس إليه، يتحمل ويجامل على حساب وضعه الصحي، ولا يغيب عن مرتاديه في استراحته أو بيته، معتمداً على الكرسي المتحرك للوصول إليهم في أغلب الأحيان، ملتزماً في مجلسه بالكلام الجميل، وعدم السماح بالحديث إلا في إطار ما يحبه ويستلطفه الناس، فلا يستغاب بمجلسه أحد، ولا حديث للحضور يسيء لأحد، ولا كلام إلا بما يرفع الرأس، وبما يشجع على الإكثار من الزيارات، روح الفقيد سمحة، وشخصيته مبهرة، إنسان ذو كاريزما مميزة، هذا بعض ما يمكن أن يقال عنه.
* * *
في الجانب الآخر فقد تنوعت مشاركاته في خدمة الوطن، من التدريس بالجامعة، إلى رئاسة الأندية الرياضية، ومن الخدمة بوزارة النقل، وكيل وزارة، إلى قيادة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر ودوره في إصدار الجزيرة، كما كان عضواً في مجلس إدارة صحيفة اليوم، ومؤسساً لصحيفة الرياضي، وضمن هذه الأعمال المتنوعة إدارته للمؤسسة العامة لسكة الحديد على مدى سنوات طويلة برتبة معالي، وفي كل موقع، وفي جميع وظائفه كان هو المسؤول المميز، كان الأمين، والصادق، والمواطن الخلوق، والرجل المسؤول الذي يعتمد عليه.
* * *
كتب مقالات عدة في صحيفة الجزيرة وغيرها، وأشرف على تحرير وإدارة صحيفة الجزيرة، وشارك وحضر عدداً من المؤتمرات في الداخل والخارج، ومثَّل المملكة خارجياً في كثير من المهام، ورأس كثيراً من اللجان الحكومية، وبعضها كان عضواً فيها، في مسيرة طويلة، ورحلة حافلة بالعطاء، وثرية بالإنجازات، ما أُرِّخ بعضه، وما طواه النسيان بعضه الآخر.
* * *
أنا حزين، دموعي تسبق كلماتي، منذ فقدت عضدي وسندي ضمن عدد من أعز أصدقائي، ويبلغ حزني مداه حين باعدت المسافات بيننا إبان حياته، فحرمتنا من اللقاءات إلا القليل منها، واقتصر أغلب التواصل فيما بيننا على الهاتف التي كنت أظن أنه يغني عن اللقاءات، فإذا بي أكتشف وقد توفي (أبومنصور). كم كنت أتمنى لو كانت اللقاءات المباشرة فيما بيننا أكثر مما كانت، لكنها إرادة الله، أن يتوفى في مقر إقامته بالمنطقة الشرقية، وأن يأتي الاتصال من أخي سلطان الشهيل ينعاه لي، وهو في حالة بكاء شديد، وأنا في حالة ارتباك وعدم استيعاب، وكأني لا أصدق أن يكون فيصل قد مات.
* * *
رحم الله حبيبنا الغالي، فقد تركت وفاته رنة حزن، ودمعة أسى، فلله ما أعطى ولله ما أخذ، أحر التعازي لأشقائه عبدالعزيز وفهد وسلطان، ولكريمتي الفقيد ريمة ومنى، وحفيديه معتز وفيصل، ولنا جميعاً نحن أصدقاء ومحبي الراحل الكبير، دعواتنا له بالعفو والمغفرة، من رب كريم، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.