تعود صلتي بمجلّة المورد العراقيّة إلى عام 1437هـ، عندما استشرتُ أستاذي الأستاذ الدكتور محمّد بن خير البقاعي حول موضوع أكتب فيه رسالة الدكتوراه فقال لي: لماذا لا تكتب في مناهج الدراسات اللغويّة في مجلّة المورد، وكنتُ في مكتبه، وتصفحّتُ شيئًا من أعدادها عنده فراقت لي الفكرة فكتبتُ مقترحًا وعرضته عليه، فوجّهني، وأعطاني ملحوظاتٍ قيّمةً رافقتني مدة إعداد الرسالة، وعندما بدأتُ في كتابة التمهيد لم أجد أحدًا -بحسب اطّلاعي- قد كتب عنها فشرعتُ في جرد مجلّداتها الخمسين حتّى تكوّنت لديّ معرفة حولها فارتأيتُ أن أعرّف القارئ بهذه المجلّة الرصينة فكتبتُ معرّفًا بها من الناحية اللغويّة ثمّ عرّجتُ على التعريف الخاصّ بمجلّة المورد.
مجلّة المورد العراقية: تركيب (مجلة المورد) هو تركيب إضافيّ، المضاف هو كلمة (مجلّة) والمضاف إليه كلمة (المورد)، أمّا لفظ مجلّة فقد وردت في المعاجم اللغوية بمعنى الصحيفة(1)، وقد زاد ابن دريد في الجمهرة أنها صحيفة يكتب فيها شيء من الحكمة(2)، ونصّ ابن الأثير على أنّ لفظ مجلة عبراني الأصل(3)، ورجّح ذلك ف. عبد الرحيم إذ قال: إنّها معرّبة من العبرية وأصلها (مْجِلاه) تأتي بمعنيين هما: الصحيفة، وطيّ الأشياء، وسمّيتْ الصحيفة مجلةً؛ لأنّ الصحيفة قديمًا كانت عبارة عن أوراق مطوية(4)، وينقل عبد الله الموجان أنّ لفظ مجلّة أصلُها «مكلوت، ومكلتو ويراد بها: كرّاس ملفوف، وملف مخطوطات بالسريانيّة»(5).
?أمّا مفهوم المجلّة في العصر الحديث فهو «مطبوعة دوريّة تصدر عادةً أسبوعيًّا أو شهريًّا أو فصليًّا أو سنويًّا، وتتضمّن مقالات في شتّى الموضوعات أو تكون مختصّة بعلم من العلوم أو فنّ من الفنون، وتتميّز أبحاثها بالجهد والإتقان وقد تتّخذ شكل كتاب عادي، أو تكون كبيرة الصفحات، أو في حجم وسط بين الكتاب والجريدة»(6)، وكلمة (المورد) اسم مكان على زنة مَفْعِل من الفعل (ورد) الذي من معانيه المنهل الذي يُوْرَد للشرب، وإطلاق لفظ المورد على هذه المجلة إطلاق مجازي فهي بمثابة المنهل الثقافي الذي ينهل منه الباحثون عن المعرفة الممتدة من التراث والمتصلة بمعطيات المعرفة الثقافية المعاصرة، فهي مورد للمعرفة يبدأ من التراث العربي والإسلامي الأصيل وينتهي بما استجدّ من معطيات المعرفة المعاصرة في مختلف المجالات الثقافية وهي أيضًا منهل متعدد المشارب، ففيه مثلًا تراث محقق ودراسات حديثة حول التراث وفهارس مخطوطات في شتّى العلوم الإسلامية، وتعريف بالجديد ونقد لما كتب في بحوث في مجلة المورد، وقد أشار إلى هذه الغاية التي تضطلع بها مجلّة المورد رئيس تحرير مجلة المورد الأستاذ شفيق الكمالي في تقديمه للعدد الأول من المجلة(7).
?أمّا مجلة المورد فهي مجلّة ثقافيّة عراقيّة فصليّة تصدرها وزارة الإعلام العراقيّة، ولأنّها مجلّة رسميّة صادرة عن مؤسّسة حكوميّة فقد كانت في أعدادها الأولى تتضمّن في افتتاحيتها كلمة للرئيس العراقيّ السابق أحمد حسن البكر، ونصّ هذه الكلمة هو «خدمة الأمّة نتيجة للفائدة المتوخاة من الكتب التي تحفظ التراث وتبعث مجد الأجداد» وقوله أيضًا: «كونوا معاصرين شرط أن تكونوا أصيلين، فالمعاصرة لا تعني أبدًا انقطاع الجذور كما أنّ استيعابها لا يعني التفريط بتراثنا الثقافي العظيم»، وبعد ذلك بدأت افتتاحيّة المورد تتضمّن كلمة للرئيس العراقيّ السابق صدّام حسين نصُّها «إنّنا بعمليّة تحريك الماضي نريد أن نقيم جسرًا بينه وبين الحاضر متواصلين مع الذُّرى التي خلقتها الأمّة في تراثها» ومن هذه الكلمات يتّضح نهج مجلّة المورد العراقيّة، وهو المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة فيما يُنشَر فيها من موادَّ ثقافيّةٍ.
?وتهتمّ مجلّة المورد بالشؤون الأدبيّة واللغويّة والفلسفيّة والتاريخيّة والجغرافيّة والدينيّة والآثاريّة والطبيّة والصيدلانيّة كما أنها تهتمّ أيضًا بالفنون الجميلة، بدأت بالصدور عام 1971م وتوقفت عن الصدور في عام 2010م، وتنقسم مجلة المورد موضوعيًّا خمسة أقسام رئيسة هي: الدراسات والبحوث، النصوص التراثية المحقّقة، وفهارس المخطوطات، والعرض والنقد والتعريف، والنتاج الجديد.
وتتميّز مجلّة المورد العراقية بمواكبتها للمناسبات الثقافية فقد خصّصت أعدادًا للكتابة عن شخصيات وأحداث ثقافية مثل: العدد الخاصّ بالفارابي(8)، والعدد الخاص بمدينة بغداد(9)، والعدد الخاصّ بالخطّ العربيّ(10)، والعدد الخاص بحضارة العراق القديمة(11)، والعدد الخاصّ بالحروب الصليبية(12)، والعدد الخاصّ بأدب الرحلات(13)، والعدد الخاصّ بالرؤى والمنامات(14)، والعدد الخاصّ بالطب عند العرب(15)، والعدد الخاصّ بالحصار والغزو الأجنبيّ للعراق(16)، والعدد الخاصّ بأبي عثمان الجاحظ(17)، والاتّجاه العام للبحوث اللغوية المنشورة في مجلة المورد العراقية هو الاتّجاه التراثيّ ذو المعالجة بالمقاربات العلميّة الحديثة، وذلك يتجلّى فيما تنشره المجلّة من نصوص تراثيّة محقّقة لعلماء متقدمين، أو دراسات لغويّة وثقافيّة حديثة تتّسم بالمعالجة البحثيّة التراثيّة، أو دراسات لغويّة وثقافيّة تراثيّة تتسم بالمعالجة البحثيّة الحديثة.
وفي الختام فهذا عرض موجز حول مجلّة المورد العراقيّة التي خدمت حقول المعرفة الإنسانيّة والتجريبيّة إبان صدورها من عام 1971م-2010م قصدت من ورائه لفت نظر الباحثين إلى ما فيها من كنوز معرفيّة، وبخاصّةٍ ما له صلة بالدراسات اللغويّة والأدبيّة.
- - - - - - - - - - - - - - - - - -
الحواشي:
(1) انظر الزبيديّ، محمد مرتضى: تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: نوّاف الجرّاح، دار صادر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2011م، جـ2، ص440، مادة (ج/ل/ل).
(2) انظر الأزديّ، محمد بن الحسين ابن دريد: جمهرة اللغة، دار صادر، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت، مادة (ج/ل/ل)، جـ1، ص54.
(3) انظر الجزريّ، مجد الدين ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: محمود الطناحي وطاهر الزاوي، مطبعة الحلبي، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1383هـ/1963م، مادة (ج/ل/ل)، جـ1، ص289.
(4) ف، عبد الرحيم: القول الأصيل فيما وقع في العربية من الدخيل، مكتبة لينة، دمنهور، مصر، الطبعة الأولى، 1411هـ/ 1991م، ص213، 214.
(5) الموجان، عبد الله: قاموس اللغات القديمة الواردة في كتب العلماء: سرياني-عبري-آرامي-حبشي وغيرها، مركز الكون، جدّة، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1438هـ/ 2017م، ص144.
(6) عبد النور، جبّور: المعجم الأدبيّ، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1979م، ص239.
(7) مجلة المورد، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، العراق، 1971م، المجلد الأوّل، العدد الأول، المقدمة، ص4.
(8) مجلة المورد، المجلد الرابع، العدد الثالث، 1975م/1395هـ.
(9) مجلة المورد، المجلّد الثامن، العدد الرابع، 1979م/1400هـ.
(10) مجلة المورد، المجلد الخامس عشر، العدد الرابع، 1986م/ 1407هـ.
(11) مجلة المورد، المجلد السادس عشر، العدد الثالث، 1987م/1408هـ.
(12) مجلة المورد، المجلّد السادس عشر، العدد الرابع، 1987م/1408هـ.
(13) مجلة المورد، المجلد الثامن عشر، العدد الرابع، 1989م/1410هـ.
(14) مجلة المورد، المجلد العشرون، العدد الثاني، 1992م/ 1412هـ.
(15) مجلة المورد، المجلّد الحادي والعشرون، العدد الثاني، 1993م/1413هـ.
(16) مجلة المورد، المجلد الثالث والعشرون، العدد الثاني، 1995م/ 1416هـ.
(17) مجلّة المورد، المجلّد السابع، العدد الرابع، 1979م/ 1399هـ.
** **
- د. فهد بن عبد الله الخلف