فيصل خالد الخديدي
تتنوع مصادر إلهام الفنان التشكيلي بين مصادر مكانية وزمانية وأخرى جمالية وفكرية وفلسفية وقضايا انسانية، فمنهم من تظهر أعمالهم مستوحاة من البيئة المحيطة بتراثها وطبيعتها وعمارتها وطبائع البشر وفنونهم وأزيائهم وتقاليدهم ويعيشون بفنهم في هذه الاجواء، وآخرون يستمدون إلهام أعمالهم من قضايا الإنسانية وهمومها وأفراحها فتجده مسكوناً بالإنسان ومعاناته ومحملاً أعماله بوجدانيات وعاطفة جياشة، ومن مصادر إلهام الفنان الهامة والغائبة عن ممارستنا التشكيلية المحلية الا ماندر،القصة الشعبية والاسطورة مع أن تراثنا مليء بالحكايات الشعبية والأساطير والتي لا تقل في ثرائها وتنوعها عما يحويه التراث العالمي والذي يعد معينا لاينضب يستقي منه مبدعو العالم باختلاف أجناسهم الأدبية والفنية الكثير من إبداعاتهم حتى علماء النفس استقوا منهم بعض فلسفاتهم وبنوا عليها تحليلاتهم كما فعل فرويد في اتكائه على أسطورة أوديب في تحليله النفسي، ولم يتوقف دور الاسطورة والحكاية الشعبية عند ذلك بل حضرت في الموسيقى والرسوم المتحركة والأفلام.
هناك من يرى الاسطورة بأنها حكاية ذات صياغة أدبية وأحداث عجيبة خارقة للعادة تناقلت مشافهة جيلاً بعد جيل وتعبر عن ذاكرة جمعية تخدم تاريخ الشعوب ومن ناحية أخرى ترتبط بالوجود الانساني وجدليته مع نفسه ومحيطه ونشوء الكون والخلود ومرتبطة بالآلهة وأنصاف الآلهة وتأتي في أنواع عدة بين اسطورة طقسية واسطورة التكوين والتعليلة والرمزية وتختلف عنها الحكاية الشعبية في كونها تناقش قضايا شعبية باللغة المحكية وقضاياها من الحياة اليومية وأطرافها شخصيات أنسية ومن الجن.
حضرت الاسطورة في أعمال العديد من الفنانين من عصر النهضة كليوناردو دافينشي ومايكل انجلو وروفائيل وتيتنان وبوتشيلي وجويا وغيرهم كثير، ومن الفنانين العرب برز الكثير من الفنانين الذين تعاطوا مع الاسطورة والحكاية الشعبية بمستويات مختلفة منهم على سبيل الذكر وليس الحصر الفنان ماهود أحمد في معرض بحثه عن اسطورة جلجامش والذي قدمها في معرضه البوابات السبع، والفنان عبدالهادي الجزار الذي اصطبغت العديد من أعماله بمواضيع القصص والحكاية الشعبية والابطال الشعبيين الاسطوريين والجن والمجنون الاخضر وابو السباع والنذر والتعويذة والعديد من القضايا الشعبية والأسطورية التي حضرت في أعماله، وعلى مستوى فناني الخليج كان الفنان عبدالله المحرقي من أكثر الفنانين استلهاماً للأسطورة والحكاية الشعبية في أعماله وبالرغم من تنوع أساليب معالجته الفنية الا أنه صاحب قضية وموضوع ويذكر ذلك عن نفسه في أحد الحوارات (أنا لا أعاني من مشكلة في هذا الأمر، فأنا رسام صاحب ”موضوع” لدي هم، وقضية ويهمني أن أوصلها أوأن أثيرها في عملي الفني، لذا فإن الموضوع هو الذي يفرض عليّ أسلوبي في رسم اللوحة. أحياناً ألجأ إلى الرمزية والواقعية في الوقت نفسه خاصة عند تناولي للموضوعات التراثية، وحياة الغوص التي تكتنز الكثير من الأساطير والحكايات الشعبية) وحتى في اختياره لأسماء أعماله يراعي ارتباطها بالحكاية والاسطورة في عنوانها ومن عناوين أعماله (أم الكدو، سقوط آدم، يوم الوقفة، فتح المحار، الكوكب المهجور، أم الزمام، فتح محار اللؤلؤ، عذاب النفس، مأساة نخلة، لاعب الدامة، الحناء، فرحة العودة، أم الحمار، أم الخضرة والليف مصيدة أبو دريا).
وعلى المستوى المحلي لم تحضر الاسطورة والحكاية الشعبية بالمستوى المأمول على الرغم من أن تراثنا زاخر بفيض من القصص والحكايا الملهمة الا أن اهتمام الفنانين بالشكل والتقنية أبعد البعض عن استلهام مواضيعه من القصص والحكايات الشعبية والاسطورية، ايضاً الجفوة بين أجناس الفنون والآداب ربما أبعدت البعض الآخر عن هذا الاستلهام، بالإضافة الى حضور المحظور الديني والتحفظ على بعض الاساطير أبعد الآخرين عن استلهام الاساطير في أعمال الفنانين المحلين، ومع ذلك كان هناك بعض الحضور البسيط ولعل من أبرز من اقترب من الحكايات الشعبية الفنانة عواطف آل صفوان في معرضها عودة جحا وبعض التجارب للفنانة منيرة موصلي، وفي الجانب الاسطوري كانت تجربة الفنانة شادية عالم بدأ بالأقنعة وبعد ذلك أعمالها في تجربتها مع اختها الكاتبة رجاء عالم في عملهم المشترك بكتاب جنيات لار الذي أصدرته مؤسسة المنصورية في عام 2000م وهو كتاب فني ادبي ضم عشرين محفورة منفذة بالشاشة الحريرة وتذهيب يدوي للفنانة شادية عالم والنص للكاتبة رجاء عالم وكان الكتاب الاول من نوعه في حينه.