د. فهد بن علي العليان
الدكتورة (نورة) هي أستاذ الأدب والنقد الحديث؛ إذ حصلت على الدكتوراه في رسالتها العلمية عن (دراسة وتحليل تلقي الرواية السعودية في الثقافتين العربية والغربية من منظور نظريات التلقي والتأويل) من جامعة ليدز البريطانية، مبتعثة من قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة الملك سعود. فنحن أمام كاديمية اسمها لامع وساطع في سماء جامعة الملك سعود، وكاتبة لها موضوعاتها وأسلوبها حين تسطر حروفها في جريدة الجزيرة (الثقافية).
كنت أسمع عنها وعن حضورها الأكاديمي والثقافي حتى حانت الفرصة المواتية للقاء بها ومعرفتها عن قرب؛ وذلك حين تولت تقديم دراسة نقدية جميلة ومتميزة في ملتقى كتاب الشهر في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة لكتاب (أ.د سعد البازعي) « مواجهات السلطة: قلق الهيمنة عبر الثقافات»، في ذلك اللقاء كان الجميع منبهراً من الورقة العلمية التي قدمتها بطريقة متميزة، وأنقل لكم هنا ما كتبه (محمد المرزوقي) يوم الخميس 7 نوفمبر 2019م، إذ قال: «وصفت أستاذة الأدب والنقد الحديث بكلية الآداب بجامعة الملك سعود الدكتورة نورة القحطاني، كتاب: «مواجهات السلطة: قلق الهيمنة عبر الثقافات» للدكتور سعد البازعي بأن عنوانه ربما صرف شريحة من القراء، إلى اختزاله في إطار السلطة «السياسية»، التي نجدها في العديد من النماذج تقبل ما ترفضه سلطات أخرى؛ مشيرة إلى أن عنوان الكتاب عتبة أولى اتخذ منها المؤلف استقراء هذه العلاقة (المهيمنة)، من مواجهات الثقافة للسلطة لا بوصفها السياسي فقط، وإنما ضمن أنواع كثيرة من السلطات، التي وردت في سياق فصول الكتاب، عبر العصور وصولاً إلى العصر الحديث،؛ قائلة: في الكتاب نجد السلطة الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، وسلطة الرقيب الداخلية للكاتب نفسه. وقالت نورة: لحجم الكتاب الكبير، ولما تضمنه من النماذج التي أوردها المؤلف في سياقات استقرائه للمواجهات الثقافية للسلطة أيا كان مصدرها، ومستوى هيمنتها، فإنني سأقف مع الكتاب عبر عدد من المحاور الرئيسة التي من شأنها أن تلقي الضوء على ما ورد في الكتاب، لتكون قراءتي لما ورد في الكتاب، دون إسقاطات خارجية مهما كانت قوة العلاقة وشدة الارتباط، وذلك من خلال السلطة بمفهومها الشامل، وأنواعها، ومستوياتها لتكون أولى منطلقات ورقتي العلمية عن الكتاب، إلى جانب الكتابة (الإبداعية)، وكيفية مواجهتها للسلطة، ورؤية مقارنة عبر استقراء تتبعي عبر العصور لنماذج عربية وغربية، عبر المؤلفات الإبداعية شعراً، وسرداً، وفلسفة».
بعد نهاية الملتقى، تقدمت إليها مثنياً على طرحها، فردت بتواضع العلماء، واقترحت عليها نشر تلك الورقة في (الثقافية)، وأجزم أن كثيرين تحدثوا عن طرحها وأسلوبها وأفكارها. غادرنا جميعاً القاعة، ولم أدر أننا سنبدأ بلقاءات (علمية) وستجمعنا ملتقيات (ثقافية) متعددة، ذلك أن مشروعاً ثقافياً لغوياً جمعنا وهو (عبق) «تعليم العربية بلا قواعد» الذي تبنته مؤسسة الراجحي الإنسانية؛ بتوجيه ربانها ورئيس مجلس إدارتها (د. خالد بن سليمان الراجحي)، الذي كان يدعم ويؤازر فكرة تسهيل ممارسة اللغة العربية تحدثاً وكتابة، «أي التركيز على الممارسة السليمة للفصحى، وتذوق جمالياتها (دون الحاجة إلى تعليم قواعدها بالطرق التقليدية). وتأتي هذه المبادرة لتعزيز الانتماء للهوية العربية في أبعادها الاجتماعية، والمعرفية، والوجدانية كوسيلة لمواجهة التأثير السلبي للعولمة... حتى تساهم في نشر الاعتزاز بالعربيةِ لغةً وهوية في ظل تقدم اللغة الإنجليزية التي تملك لسان العلم والتكنولوجيا والاقتصاد، وتستحوذ على وسائل الإعلام المختلفة، وعلى شبكة الإنترنت. فالاهتمام بالعربية يحتاج إلى تضافر الجهود من جميع المؤسسات الحكومية والخاصة؛ كي يكون تعلمها منافسًا لتعلُّم اللغات الأخرى».
ولقد كان من متطلبات ذلك المشروع عقد ورشة عمل يحضرها الزملاء والزميلات المختصون والمختصات بتعليم اللغة العربية؛ من أجل وضع تصور عام حول الفكرة، وكان من بينهم ومعهن (د. نورة) التي قدمت آراءها العلمية الرزينة والرصينة بكل وضوح، وبعد أن انتهت الورشة اتفق على تكوين لجنة علمية إشرافية برئاسة (د. إبراهيم التركي) ومعاونة أخيكم؛ للبدء في تقديم الإطار العملي والدورات التدريبية، وكانت (د. نورة) ركناً أساساً في تلك اللجنة تقدم آراءها بعلمية وهدوء ووقار، ثم إنها قدمت للمشاركين والمشاركات ورشة عمل حول (مفاتيح الكتابة). ولم تتوقف مثقفتنا عند ذلك، بل شاركت في ندوة ثقافية عن هذه المبادرة الفريدة؛ حيث دارت محاورها حول ميلاد فكرة مبادرة عبق ونشأتها، وتعزيز استخدام اللغة العربية بوصفها جزءًا من الهوية، وتعزيز الانتشار التلقائي للعربية الفصيحة.
استمرت اللقاءات بالزميلة القديرة في مناسبات ثقافية متنوعة، وإن نسيت فلا أنسى حين اشتركنا سوياً في ندوة «المجلات الثقافية في المملكة العربية السعودية»، فقدمت رؤى وأفكاراً متميزة تتمثل في «أن المجلات الثقافية والملاحق الثقافية بالصحف رافد مهم من روافد الثقافة، وهي تنقل النقد والأخبار والقضايا الثقافية، وقد تحول بعضها إلى أن يشكل اتجاهاً ثقافياً يقود التفكير الثقافي، وأكدت على أن هناك أزمة بين الورقي والرقمي، لكن الأعمال الفنية والأدبية هي الأشياء التي تتركها الحضارة وراءها، وكل ما تركه رواد الأدب والثقافة تجلى في الكتاب الورقي والمجلات الثقافية».
أستطيع أن أقول: إنني من خلال تلك اللقاءات بالزميلة المثقفة (نورة القحطاني) والمتابعة لمقالاتها، أدركت وعرفت عن قرب مدى ما تتمتع به من حضور علمي لافت وأخلاق عالية يقودها إلى ذلك تواضع جميل غير متكلف. فتحية تقدير وإكبار وإعجاب بالقديرة المتواضعة (د.نورة)، التي تنير دروباً في عالم الثقافة الرزينة بعيداً عن الضوضاء والجعجعة، ومن حقنا جميعاً أن نفتخر ونفاخر بوجود أكاديمية مثقفة هادئة، وكاتبة تملك أسلوباً جميلاً مقنعاً، وقد قالت في لقائها ببرنامج «مسافة» على قناة الإخبارية في شهر رمضان 1441هـ، «المثقف الذي يثير زوبعة، هدفه الشهرة والبقاء في دائرة الضوء وخدمة ذاته لا مجتمعه».
(الثقافة.. أدب)..