عبد العزيز الصقعبي
كان يحلم أن يكتب مسرحية للأطفال، يذكر أنه حضر عدة مسرحيات للكبار والصغار، إضافة إلى المسرحيات التي شاهدها في التلفزيون، يعلم أن الكتابة للطفل ليست بالأمر الهين، ولكن لديه الرغبة بالكتابة على الرغم أنه لم يمارس الكتابة مطلقاً، هو متعلم يقرأ، ولكن تجاربه في الكتابة فاشلة، منذ أن كان تلميذا في المدرسة وكانت مادة التعبير تمثل له هماً، فهو لا يمتلك الخيال الخصب، ولا يقدر أن يكتب جملة مفيدة، كل ذلك لم يمنع أن تسيطر عليه فكرة الكتابة بالذات للأطفال عبر نص مسرحي، قرر في البدء أن يتعرف على بعض كتاب المسرح، وهذا استغرق وقتاً طويلاً، ربما لندرة المناسبات المسرحية، وعدم وجود مقرات للمسارح، ولكن في نهاية الأمر تعرف على مجموعة من المسرحيين، كان من بينهم الكاتب والمخرج والممثل، قال لهم إنه كاتب مسرحي متخصص بالكتابة للطفل، ولديه مجموعة من النصوص التي يسعى لتقديمها لمخرج متميز، ولكن تلك النصوص تحتاج إلى مراجعة لتصل إلى المستوى الذي يرضى عنه أولاً وسيعجب الجميع لاحقاً بالذات الأطفال، صدقه الجميع ولم يلحوا عليه بالاطلاع على النصوص التي كتبها، وحقيقة هو لم يكتب كلمة واحدة فما بالكم بنصوص متكاملة.
كانت خطوته الأولى الاطلاع على نص مكتوب وسيتم تنفيذه، لكن الكاتب فضل أن يبدى رأيه بعد أن يشاهد العرض، خوفاً من أن يطرح رأياً يؤثر في رؤية المخرج المسرحي، العلاقة بقيت في إطارها الرسمي، لم يرغب أحد من المسرحيين أن يكون حاضراً في التدريبات التي تسبق العرض، بل طُلِب منه أن يحضر العرض الرسمي، كانت وجهة نظر المؤلف أن ذلك الرجل غير معروف، وقدم نفسه ككاتب مسرحي دون أن يقدم لهم ما يثبت ذلك، وخاف أن يطلع على النص الذي كتبه والذي سينفذ، ويقلده أو، ربما، يبحث عن نقاط ضعف في النص ويشوهه أمام المخرج والمنتج، بسبب ذلك حرص أن يكون بعيداً ولا يحضر مطلقاً التدريبات ولا يطلع على النص المكتوب، ويرى العرض المسرحي من ضمن الجمهور.
ذلك الرجل الذي يحلم أن يكتب مسرحية للأطفال، يجلس في الوسط بين مجموعة من الآباء والأمهات وعدد كبير من الأطفال يشاهدون العرض المسرحي، لم يفكر أن يحضر معه أي طفل، حتى عندما أخبر زوجته أنه ذاهب لعرض مسرحي قال لها: «سأذهب لمشاهدة مسرحية صديقي»، ربما لو علمت أن المسرحية للأطفال لألزمته باصطحاب أطفالهما.
هو الآن جالس في وسط القاعة لم يقابل الكاتب بعد، حيث كان قرارهما أن يلتقيا بعد العرض المسرحي ليخبره عن رأيه بالعرض، وهو ليس بناقد، ولا علاقة له بالفنون، ولكن لديه متابعة بسيطة لما يعرضه التلفزيون من مسلسلات درامية إضافة إلى ما حضره وشاهده من مسرحيات، ورأيه حولها لا يعتد به، الآن ملزم أن يتابع عرضاً للأطفال، غابة، ومجموعة حيوانات، صراخ أطفال، لا توجد شخصيات حقيقية، بل دمى تتحرك، بالطبع بداخلها بعض الممثلين والممثلات، من حسن حظه أنه يجلس في صف به عدد كبير من الأطفال، ربما يعتقد البعض أنه قريب لهم، أب، جد عم، المهم هنالك صلة بينه وبين بعضهم، ولذلك هو حضر هذه المسرحية التي لا تصلح له مطلقاً، شعر أن الفكرة التي سيطرت عليه بدأت بالتلاشي، أراد أن يغادر المسرح، ولكن سيلاحظ الجميع مغادرته، وربما الكاتب والمخرج من ضمنهم، وهذا يعني أن المسرحية لم تعجبه، وهو لا يريد أن يحرج نفسه بقول ذلك لهم، فكر أن يتصفح هاتفه المحمول حتى ينتهي العرض، ولكن ربما سأله أحدهم عن مشهد بالمسرحية، هل يقول له لم أتابع العرض، لا عذر له مطلقاً، ليتابع العرض، ويستعد لأي سؤال منهم، فهو قرر طائعاً الحضور للقاعة، القرار بيده، هل يتابع بدقة على الرغم من أن المسرحية مخصصة للأطفال وبسيطة جداً تحاكي أطفالاً أعمارهم أقل من سبع سنوات، ديكور مبهر، وأناس يرتدون دمي بعض الحيوانات ويتحركون على خشبة المسرح، أسد، زرافة، حمار وحشي، ثعلب، ودب تقومون بحركات أضحكت الأطفال كثيراً، وكائن غريب، ضخم، لا يعرف ماذا يكون، وبكل تأكيد لا يعرفه الأطفال، ولكن يبدو أنه شرير، وجميع الحيوانات وبالطبع الأطفال الحضور يخافون منه.
حين فكر أن يكتب مسرحية، لم يفكر مطلقاً بالحيوانات والدمى، ولا بالخير والشر، فكر بأناس أسوياء أطفال ملامحهم مبهجة، يلعبون ويمرحون ويغنون أناشيد، فكر بحدائق بها زهور وشلالات ماء، ولم يفكر بغابة وحيوانات ووحوش.
تطفأ الأنوار فجأة ويُسمع صوتاً في القاعة يقول نريد رجلا قوياً ينقذ الحيوانات في الغابة من الشرير»، صراخ الأطفال يغطي القاعة، لا يدري ماذا حدث، هنالك أشخاص لم تتضح معالمهم في الظلام اتجهوا إليه وسحبوه ليجد نفسه على خشبة المسرح، مع إضاءة الأنوار، دوى التصفيق في قاعة المسرح مع صراخ الأطفال، ماذا يفعل.. يقف على خشبة المسرح أمام الجمهور، جمهور مختلف، أطفال، نساء، رجال، لكن الغالبية أطفال ينظرون إليه وكلهم أمل أن يتخلص من الوحش، لقد أصبح جزءًا من العرض المسرحي، لا يعرف كيف حدث ذلك، لم يخبره أحد بذلك مطلقاً، ربما شعر الكاتب بمأزق وصعوبة التخلص من الوحش، وفكر أن يستعين به، فهو كما يدعي كاتب مثله، وحتماً لديه من الأفكار ما تنقذ الموقف.
هو واقف كالأبله أمام ذلك الجمهور الغريب، صراخ الأطفال يتعالى، وأصوات الحيوانات تستجدي به لإنقاذهم، والوحش الذي اكتشف أنه كائن ضخم فعلاً بحجمه مرتين، يقترب منه ويتعمد استفزازه، يقوم بدفعه حتى كاد أن يسقط، يتعالى صراخ الصبية، تتجه الحيوانات إليه لتدافع عنه، ينظر للجمهور يبحث عن الكاتب بينهم، يلتفت للخلف، يبحث عن المخرج، يحاول أن يتجه لمؤخرة المسرح خلف الكواليس ربما يجد من يساعده للخروج من هذا المأزق، الأطفال يواصلون الصراخ، يتجه الوحش إلى دمية صغيرة لأرنب، لا يرتديها أحد لصغرها، يحملها ثم يقذف بها على الأرض، يعلو الصراخ، الأطفال والحيوانات، وهو واقف كالعمود في الوسط، هذا الوحش يعيث فساداً في الغابة، يجب أن يفعل شيئاً مفيداً، ليفكر، ولكن لا مجال للتفكير، ليس أمامه إلا أن يتصرف، وبحذر لأن أغلب الجمهور من الأطفال وكل حركة قد يكون لها التأثير السلبي، ومن المفترض أن تكون لديه قدرة على إنقاذ الحيوانات والغابة، بصورة يرضى عنها الأطفال، وحتماً هي بسيطة، وهي القضاء على الوحش، ليعرف الأطفال إن الإنسان هو المنقذ، وهو الذي من المفترض أن يحافظ على البيئة، لكنه لا يعي ذلك، لم يفكر بطريقة للتخلص من الوحش، بل غادر خشبة المسرح هارباً، مع ذهول الجميع، ليغادر المسرح للأبد.