د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذا مثل من الأمثال الشعبية، أورده الأستاذ عبدالكريم الجهيمان ورقمه (1647) قال «الثور معروف بالبلادة وعدم الإدراك فإذا وجد برسيمًا أي قتًّا فإنها تزداد غفلته ويزداد عدم إدراكه»(1).
وشاع في بعض ما يكتب في الشابكة قول يذهب إلى أن المثل مغير عن أصل هو (ثور لاهٍ في برسيمه)، وهذا القول يغفل عن أن معنى المثل والمراد منه يقتضي أن يكون في الصورة التي تناقلها الناس في عامياتهم؛ لأن إضافة الثور إلى لفظ الجلالة (الله) فيه دلالة على أن هذا الثور حرّ لا يستعبده بشر فيرهقه بالعمل والكد الذي يستهلك جسده ويضعف قوته، وهو في رغد من العيش حيث النبات الرطب المفيد، وهذا من شأنه أن يجعل هذا الثور قويًا صحيح الجسم لا يأبه بشيء سوى بالأكل، وهو بهذه الصفة صالح لأن يشبه به المرء القوي البنية القليل الفهم والنفع، وبلغ من بعض الناس التوقف في المثل أن استفتى به أحد الشيوخ فسأل بجواز قول هذا المثل، وكان من جواب الشيخ أن إضافة (ثور) إلى لفظ الجلالة (الله) فيه رعونة. ولكن يرد عليه أن الثور دابة كغيرها من مخلوقات الله العظيمة والجليلة، وهي داخلة في ملك الله، فلا ضير من إضافتها إليه، وكذلك نجد في القرآن الكريم إضافة الناقة، قال تعالى ? هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ? [37-الأعراف].
وعند المثل (427) «ثور الله بارض الله» قال الدليشي «المعنى: هو كالثور الذي خلقه الله بأرضه يعيش عليها، ويريد أن يتركه الناس وشأنه؛ لأن الله خلقه وهو يرزقه من خيرات هذه الأرض كما خلق الثور ورزقه. يضرب: لكل جاهل بليد يكتفي من دنياه بالشبع والري»(2). والمثل ينطق في العامية بالوقف على لفظ الجلالة بالسكون.
والمثل له صور مختلفة في العاميات كما جاء عند التكريتي حين تكلم عن المثل العراقي رقم (664) (ثور الله بارض الله)، قال «يضرب: للمتعطل المغفل؛ ولمن لا يشعر بما يدور حوله.
فلسطين (ثور ألله ببرسيمه) البرسيمه [هكذا]: الجت [القت] (نبات تأكله الدواب).
مصر (زي طُور اللهْ في برسيمه) طور: ثور. و(طور اللهْ في برسيمه).
نجد (ثور الله في برسيمه).
وقريب منه:
الكويت (دابّةْ اللهْ بْأرْض الله).
نجد (شاةَ اللهْ بأرْضَه)»(3).
وجاء عند العلامة محمد بن ناصر العبودي، قال في المثل رقم (507) «ثور الله بارضه، يضرب للجاهل القوي الجسم. وهو من الأمثال التي تستعملها العامة في العراق بلفظ: ثور الله بارض الله، وفي تونس بلفظ: بقر الله في زرع الله، وفي اليمن: ثور الله في أرضه»(4).
وهذا المركب الإضافي (ثور الله) قديم وجدته في رسائل الجاحظ، قال «وخبرني عن الشق، وعن واقواق، وعن النسناس، وعن دُوالباي، وعن الكركدَّن، وعن عنقاء مغرب، وعن الكبريت الأحمر، وعن ثور الله في الأرض»(5).
والذي أريد الانتهاء إليه أن الزعم بتغيير المثل الشعبي (ثور الله في برسيمه) متوقف فيه وهو على طرافته غير مقبول.
- - - - - - - - - - - - - -
(1) عبدالكريم الجهيمان، الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب، 2: 158.
(2) عبداللطيف الدليشي، الأمثال الشعبية في البصرة، 1: 202.
(3) عبدالرحمن التكريتي، الأمثال البغدادية المقارنة، 2: 57-58.
(4) محمد بن ناصر العبودي، الأمثال العامية في نجد، 1: 335.
(5) الجاحظ، الرسائل الأدبية، نشرة الهنداوي، ص22.