التفت وارتحل مع الذكريات السابحة في خيالك، ولا تقاومها، بل سرْ معا لِحَيِّها وزُقاقها ومخبئها، وتسكع بتأويلاتك الحالمة، هيَ لحظات العودة إلى تاريخك الأبيض الناصع، حيث المدّ لا الجزر والوثوب لا الرجعة، حيث رمضان ممتدًا على خارطة السنوات الأولى.
الشهر الذي لبسناه راشدين قبل تمام البلوغ، واندفعنا فيه ضامرين يلفنا السكون من خيطه الأبيض لخيطه الأسود.
تلك الذكريات التي عشناها لحظةً فعاشتنا إلى هذا المقام المشيب، رمضان الذي كنّا نستبق فيه نحن والدقائق ونتحداها أينا يصل إلى أذان المغرب أولاً؟!
ياللغروب المهيب والدعاء الأريب والحشد المكتظ من الأطباق، حيث البطون المتلهفة والأسماع المترصدة لأول «ال» من أول مؤذن صادحٍ.
لا زلتُ أذكر أمّي وهي تُلهيني كي أنسى أمر الجوع، حين ترسلني بطبقٍ أو طبقين لبيت جيراني، وما أجمل قول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمولُ
يا أمي؛ أخبرك بسرٍّ: لم أكن كالعيس.
** **
إبراهيم النجمي - جازان