العراق، كركوك
يَرد كثيرًا في آثارِ المتأخِّرينَ ومُصنَّفاتِ المعاصِرينَ إتْبَاعُ اسمِ (الله) جلَّ وعزَّ، أو الإبدال به في الإخبار عنه (لفظ الجلالة)، فخطرَ للعبدِ الفقيرِ أن يُرعِفَ في مسائلِه مَخاطِمَ اليراعَة، مع قُصور الباعِ وقلَّةِ البِضاعة، فأقولُ وباللَّه التَّوفيق، وبيدهِ أزِمَّةُ التَّحقيق:
المسألة الأُولى: حدُّه
بدا لنا بعد استقراءِ مئاتِ المواضعِ مِن استعمالاتِ العُلماءِ لهذا المصطلَح، أن نُعرِّفَه تعريفًا جامعًا مانعًا، تتَّضحُ به مَعالمُه، وتنكشفُ صورُه وأُطُرُه، فنقول:
(لفظُ الجلالة: مُركَّبٌ يُؤتَى به عند الإخبار عن اسم «الله» جلَّ وعزَّ، بما يُتَوهَّم فيه ما لا يليقُ به).
فقولنا: (مركَّبٌ) جنسٌ يُخرِجُ المفرد. و(يُؤتَى به) بيانٌ لكونه مُقحَمًا ليسَ من أركانِ الجملةِ وعناصرِها الرَّئيسة. و(عند الإخبار) قيدٌ لبيانِ موضِع الإتيان به، فلا تَدخلُ فيه مواضعُ الطَّلب والدُّعاء، فلا يقال مثلًا: يا لفظَ الجلالة اغفرْ لي! أو يا الله لفظ الجلالة ارحمني!
وقولنا: (اسم الله) فصلٌ مُخرِجٌ الأسماءَ الحُسنى، فلا يكادُ يُؤتى به إلَّا مع اسم الله ِجلَّ وعزَّ دون الأسماء الأُخرى، فلا يقولون: الرَّحمن لفظ الجلالة مثلًا. و(بما يُتَوهَّم فيه) قيدٌ آخَرُ يُخرِجُ ما لا يُتوهَّم فيه، فلا يقال: اللهُ لفظُ الجلالةِ أكبرُ، أو اللَّه لفظ الجلالة ربٌّ عظيمٌ؛ لعدم التَّوهُّم. و(ما لا يليق به) احترازٌ عمَّا يليقُ به، فلا يُؤتى به معه.
المسألة الثَّانية: نشأتُه
أوَّلًا: أوَّليَّة الإطلاق
ليس من السهل، ولا في وسع الفَرد أن يقفَ على أوليَّة إطلاق هذا المصطلح، أو أول مَن أطلقه، وهو بلا شكٍ مما يتعذَّر على الجهد البشري؛ لاستدعائه الاستقراءَ التام لكلِّ التُّراثِ، ومنه ما هو مفقود، وآخَرُ يتعسَّر الوصول إليه، بيدَ أنَّنا لم نجدْ له أثرًا عند كبار أهل اللُّغة، كالخليل (ت170هـ) في الجمل في النَّحو المنسوب إليه، ولا عند سيبويه (ت180هـ) في كتابه، ولا عند المبرِّد (ت285هـ) في المقتضَب، ولا عند ابن السَّرَّاج (ت316هـ) في الأصول في النَّحو، ولا عند السِّيرافي (ت385هـ) في شرح أبيات سيبويه، ولا عند ابن جنِّي (ت392هـ) في الخصائص، أو سرّ صناعة الإعراب، ولا عند الزَّمخشريّ (ت538هـ) في المفصَّل في الإعراب. وكفى بهؤلاء الفُحول حُجَّةً في الحكم على استعمال هذا المصطلح!
ثانيًا: دواعي الاستعمال
تبيَّن لنا من خلال الاستقراءِ أنَّ دواعيَ استعمالِ هذا المصطلَحِ تكمنُ في أمرينِ:
1. التَّأدُّب: ونعني به إظهارَ الورَع والأدبِ بهذه العبارة تبجيلًا وتعظيمًا لله جلَّ وعزَّ، كما يفعلون -ولله المثلُ الأعلى- مع الخلفاء والأمراء والسَّلاطين، عندما يأتون بين يدَي أسمائهم بتلك العبارات؛ دلالةً على التَّعظيم والتَّوقير؛ بناءً على خصوصيَّة أسماء اللهِ ومراعاةِ جانبِ الأدبِ معها، قال أبو البركات الأنباريّ (ت328هـ) وهو يتحدَّث عن خصائص اسم الله جلَّ وعزَّ: «فإنَّ لهذا الاسم –جلَّ مُسمَّاه- من الخواص ما ليس لغيره»(1). وعلَّق السُّهيليُّ (ت581هـ) عند حديثه عن إطلاق العالِم على الله دون العاقل: «ولا نقول (يعقل) في هذا الوضع تأدُّبًا وتأسِّيًا بالشَّريعة»(2). وأقامَ مِن المعاصرينَ الدُّكتور عبد العزيز الجهنيّ بحثًا في ذلك أسماه (إعراب أسماء الله تعالى وصفاته وما يتعلَّق بذاته عزَّ وجلَّ ضوابطُ وآدابٌ)، قائلًا في ذلك: «أسماء الله وصفاته جزءٌ من اللُّغة، وينبغي أن يكون لها وضعٌ خاصٌّ عند الاستعمال لدى النَّاس، بحيث يكون لها تعظيمٌ وتوقيرٌ، ولا سيَّما عندَ تعامُلِ اللُّغويِّينَ والدَّارسينَ معها في كتاباتهم وبحوثهم»(3).
2. الاحتراس: هو دفعُ ما يتوهَّمونَه من المعاني التي تدورُ على سائر الأسماء؛ كراهةً أن تُلامِسَ عواملُهم النَّحويَّة وصِيغُهم الصَّرفيَّة ونحوها اسمَ الله جلَّ وعزَّ. قال النَّحَّاس (ت338هـ): «الرَّحمنُ نعتٌ لله تعالى ولا يُثنَّى ولا يُجمَعُ؛ لأنَّه لا يكون إلَّا لله عزَّ وجلَّ»(4). وقال أبو حيَّان (ت745هـ): «لا تُصغِّر الاسمَ الواقعَ على من يجب تعظيمُه شرعًا، نحو أسماء الباري تعالى... لأنَّ تصغيرَ ذلك غضٌّ لا يصدرُ إلَّا عن كافرِ أو جاهلٍ»(5). وعقد الآثاريُّ (ت828هـ) فصلًا ختمَ بهِ ألفيَّتَه، قائلًا:
خاتِمةُ الفُصولِ إعرابُ الأدَب مع الإلهِ وهو بَعضُ ما وَجَب(6)
المسألة الثَّالثة: نظائره
تَناوَبَ في التُّراثِ العربيِّ قديمًا وحديثًا عِدَّةُ مُصطلحاتٍ في هذا الموضع، نذكُر منها ما وقفنا عليه: الاسم الأعظم، والاسم الكريم، والاسم الشَّريف، واللَّفظ الجليل، واسم الجلالة، والاسم الأحسن، وغيرها مع العبارات والتراكيب المستعملة في هذا الباب.
المسألة الرابعة: حقله المعرفيّ
يُعدُّ هذا المصطلحُ مُصطلَحًا مُشتركًا بين العُلوم اللُّغويَّة والشَّرعيَّة، إذ يتجاذبه كثيرٌ من هذ العُلوم ويتنازعُ فيه. وللوقوف على الحقل المعرفيِّ الأَولى بانتماء هذا المصطلَح إليه نحتكمُ إلى معيار الحاجة والافتقار، أي: أيّما العُلوم إليه أحوج، وفيه أشهرُ هو الأَولى بنسبتهِ إليه.
وإذا ما استعرضنا حاجةَ هذه العُلوم إلى هذا المصطلَح وجدنا أنَّ النَّحوَ هو أجدرُ العُلوم به، وأشهرُ استعمالاته فيه، حتى ظنَّ كثيرٌ مِن غير المتخصِّصين، وبعضُ المبتدئين في العلوم العربيَّة أنَّ إعرابَ كلمةِ (الله) جلَّ وعزَّ هو لفظُ الجلالة! لشدَّةِ صِلته به، وشُيوعه فيه.
يظهرَ لنا ممَّا سبقَ أنَّ مُصطلَحَ (لفظ الجلالة) -وإن كان مشتركًا بين هذه العلوم فإنَّه بالنَّحو ألصَقُ وأعْلَق، وفيه آصَلُ وأعْرَق، فنسبتُه إليه أوجَهُ وأوفَق.
المسألة الخامسة: مذاهبهُ
أولًا: مذهب المجيزين: يحتجُّ القائلونَ باستعمالِ هذا المصطلَح وجوبًا أو جوازًا، بكراهة وقوع ما يقع على سائر الأسماء، على اسم الله، فكِرهوا أن يقولوا في نحو: دعوتُ اللهَ، اللهَ: مفعولٌ به منصوبٌ، كما يقولون في نحو: رأيت زيدًا، زيدًا: مفعولٌ به منصوب!
ثانيًا: مذهب المانعين:
أمَّا المانعون فيرونَ أنَّ اللَّفظَ في لُغة العربِ يعني الطَّرح مِن الفَم، يقال: طرحتِ الدجاجةُ الحبةَ مِن فيها، أي ألقتْ وطرحتْ؛ لذلك ينبغي تركه تأدُّبًا مع ربِّ العزَّة؛ لما في معنى اللَّفظ من الإبعاد وعدم الاعتداد بالمطروح في دلالته الحسيَّة.
ولعلَّ هذا الدليلَ مُتفرعٌ عن مسألة اللَّفظ بالقرآن عند المعتزلة وأهل الكلام، بكون «القرآن يُقرأ في الحقيقة ويُتلَى، ولا يجوز أن يقال يُلفَظُ به؛ لأنَّ القائلَ لا يجوز له أن يقولَ: إنَّه كلامٌ ملفوظٌ به؛ لأنَّ العربَ إذا قال قائلُهم: لفظتُ باللُّقمةِ مِن فَمي، معناه: رميتُ بها، وكلام الله عزَّ وجلَّ لا يُقال يُلفَظُ به، وإنما يقال يُقرأ ويُتلى ويُكتَب ويُحفَظُ، وإنَّما قال قومٌ: لفَظنا بالقرآن؛ ليُثبتوا أنَّه مخلوقٌ ويزيِّنوا بِدعتَهم»(7).
ثالثًا: المذهب الرَّاجح:
مناقشة الأدلَّة: يجدرُ بنا قبل التَّرجيح وإصدارِ الحكم الذي يتراءى لنا في مسألة استعمال هذا المركَّب مع اسم الله، أن نُناقشَ الأدلةَ والحُجَجَ المنطوقة التي صرَّحوا بها، أو المفهومة التي استخلصناها من أقوالهم التي استُنِد إليها إجازةً أو منعًا.
أمَّا دليل المجيزينَ فمدفوعٌ بما يأتي:
1. ورودُ ما يُقوِّضُ دليلَهم مِن السُّنَّةِ الصَّحيحةِ، كالحديث الذي رواه الإمامُ البخاريّ عن أنسٍ رضي الله عنه «أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه لَمَّا اسْتُخْلِفَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاللَّهِ سَطْرٌ»(8). الشَّاهد قوله: «الله سطرٌ»، فلم يُحترَسْ لاسم الله بما احترسَ به القائلون في إيرادهم لفظَ الجلالة، مع وجود المقتضِي، وثبوت العلَّة!
2. استعمال العلماء المتقدِّمين لما كرِه المتأخرونَ قولَه، أو منعوا استعمالَه، كاستعمال ابن خالويه (ت370هـ) لعبارة: اللهُ جر(9)، واستعمال العُكْبَريّ (ت616هـ): الله منصوبٌ(10)، واستعمال الرَّضيّ (ت688هـ) نصبَ اللهَ(11).
3. إنَّ الأحكامَ النحويةَ والعباراتِ اللُّغويةَ تتعاملُ مع الأسماء لا المسمَّيات، ومع الكلماتِ لا الذَّواتِ، فحين نقول: اللَّه مجرورٌ فالمراد هو أنَّ هذا الاسمَ مجرورٌ، أي سبقته علامة الجرِّ وجعلتهُ في حالة الجر.
أمَّا دليلُ المانعينَ بكون اللَّفظ في كلام العربِ يعني الطَّرح والقذف والإبعاد، فمدفوعٌ أيضًا؛ لأنَّ الحكمَ على اسم الله بأنَّه مرفوعٌ أو منصوبٌ أو مجرورٌ إنَّما هو حكمٌ على الاسمِ قياسًا على الأسماء المرفوعة أو المنصوبة أو المجرورة، لا يعني ولا يُعقلُ أن يعنيَ أنَّ مُسمَّاه مرفوعٌ أو منصوبٌ أو مجرورٌ! قال أبو سعيد السِّيرافيّ (ت368هـ) وهو يحتجّ لكلمة (ما أعظمَ اللهَ): «وفيه وجهٌ رابع: وهو أنَّ الألفاظَ الجارية منَّا على مَعانٍ لا تجوز على الله. فإذا رأينا تلك الألفاظ مُجراة عليه حملناها على ما يجوز في صفاته ويليق به، ألا ترى أنَّ الامتحانَ منا والاختبار إنما هو بمنزلة التجربة، وإنما يَمتحِن ويختبِر منَّا مَن يريد أن يقفَ على ما يكون وهو غير عالمٍ به، والله يمتحنُ ويختبر ويبلو بمعنى الأمر لا بمعنى التَّجربة وهو عالمٌ بما يكون... ومثل هذا كثيرٌ»(12).
ثمَّ لو صح هذا الاستدلال لسقطَ كثيرٌ من الأحكام اللُّغويَّة، ولزِمَ منعُ إطلاقِ كثيرٍ من الأسماء فيما أُطلِقَ فيه؛ نظرًا لأصلِ ال لَّفظ ومعناه فيه، ومن هذا الباب مارواه السُّبكيُّ (ت771هـ) بقوله: «دخل رجلٌ على الجبائي فَقَالَ: هَل يجوز أَن يُسمى الله تَعَالَى عَاقِلا؟ فَقَالَ الجبائي: لَا؛ لِأَن الْعقل مُشْتَقّ من العقال وَهُوَ الْمَانِع وَالْمَنْع في حق الله محَال فَامْتنعَ الْإِطْلَاق. قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن فَقلتُ لَهُ: فعلى قياسك لَا يُسمَّى الله سُبْحَانَهُ حكيمًا؛ لِأَن هَذَا الاسْم مُشْتَقّ من حِكْمَة اللِّجام وهي الحديدة الـمَانِعَة للدابة عَن الخُرُوج، وَيشْهد لذَلِك قَول حسَّان بن ثَابتٍ رضي الله عنه:
فنحكم بالقوافي مَن هجانا
ونضربُ حِين تختلط الدِّمَاء
وَقَول الآخَر:
أبني حنيفَةَ حكمُوا سفهاءكم
إِني أَخَاف عَلَيْكُم أَن أغضبا
أي: نمْنَع بالقوافي من هجانا، وامنعوا سفهاءكم
فَإِذا كَانَ اللَّفْظُ مشتقًا من الْمَنْع وَالْمَنْع على الله محَال لزمكَ أَن تمنع إِطْلَاق حَكِيم عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قَالَ: فَلم يحرْ جَوَابًا إِلَّا أَنه قَالَ لي: فَلِمَ منعتَ أَنْت أَن يُسمى الله سُبْحَانَهُ عَاقِلا وأجزتَ أَن يُسمى حكيمًا؟ قَالَ: فَقلت لَهُ: لِأَن طريقي في مَأْخَذ أَسمَاء الله الْإِذْن الشرعي دون الْقيَاس اللُّغويّ، فأطلقتُ حكيمًا؛ لِأَن الشرْع أطلقهُ ومنعتُ عَاقِلًا؛ لَأنَّ الشَّرْع مَنعه وَلَو أطلقهُ الشَّرْع لأطلقته»(13).
قال الدُّكتور فيصل المنصور: «وإذا أبينا إلا تغيير بعضِ هذه المصطلحات... فإنَّه يلزمنا أن نطرُد هذا فنمتنع من تسمية (غفور) صيغة مبالغة، و(عسى) في كلام الله فعلَ ترجّ، و(على) في نحو (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى:40] حرف استعلاء، ونمتنع من تسمية الأسماء المذكَّرة مذكَّرةً؛ لأنها تُطلقُ على الله تعالى، وهكذا. وفي هذا مع التكلّفِ المذمومِ تغييرٌ لحقائق الأشياء، وذلك أنَّك إذا قلتَ مثلًا في: (ربِّ اغفر لي): اغفر: فعل أمر. فمرادك أنَّ الأصل فيه أنَّه يُؤمر به، وليس يجب أن يجري هذا المعنى في هذا الموضع وفي كل موضع. وإذا قلتَ: الرحمن: لفظٌ مذكَّر. فإنك تريد أنه على قياس الأسماء المذكرة لا المؤنثة. ولا تريد أنَّ مسمَّاه، وهو الله تعالى، مُذكَّرٌ»(14).
الحكم الراجح: يظهرُ أنَّ الحكمَ الراجحَ في استعمال هذا المصطلَح هو أن لا ضرورةَ تقتضيها، ولا حاجةَ توجِبُها؛ لما يأتي:
1. غياب المرجعية الساندة، أعني عدم استعماله عند المتقدَّمين، وقد كانوا أشد تعظيمًا لله من غيرهم.
2. الافتقار إلى ما يعضدُه من كلام أصحابِ المعجمات.
3. ارتكاب المحظور بجعل الله لفظًا للجلالة، فكلمة الله ليست لفظًا للجلالة، وكيف يُجعلُ اسم الله هو الجلالة، والله ذو الجلال؟!
4. لأنَّه مصطلحٌ غير دقيقٍ، فاللَّفظ في الاصطلاح يشمل: المركَّب والمفرد، والحرف والفعل والاسم، والمستعمل والمهمل. فيكون إطلاقه بهذا الشمول إطلاقًا جامعًا غيرَ مانعٍ. وهو ما ينبغي النأي عنه في وضع المصطلحات.
5. ولأنَّ الجلالة كلمةٌ محدثَة في الشرع لا أصل لها كما نصَّ على ذلك العُلماء، قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: «فمن العلماء المتأخرين مَنْ لا يرى كلمة اسم الجلالة، ويقول أنَّ كلمة الجلالة هذه كلِمة محدثة ليس لها أصل، لكنَّ من المشكل في هذا أنها مدسوسةٌ في كُتبِ النحو، فقد يكون التخلص منها فيه نوعٌ من العُسر»(15).ِ
6. توافر البدائل التي يتحقَّق بها المقصودُ دون لَبسٍ، كاستعمال: الاسم الأحسن، الذي هو تسميةٌ قرآنيةٌ شرعيَّةٌ، ذكرها الله جلَّ وعزَّ في كتابه (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف:180] أو الاسم الكريم، أو الاسم العظيم، ونحو ذلك من الأسماء الثَّابتة شرعًا.
وإن كانَ ولا بُدَّ فليُركَنْ إلى استعمالِ ما تتحقَّق فيه البَراءةُ من القوادح اللَّفظيَّة أو المعنويَّة، والخُلو من اللَّوازم الباطلة أوَّلًا. والاطِّراد في استعماله مع جميع الأسماء الحُسنى ثانيًا. والله تعالى أعلم.
- - - - - - - - - -
الهوامش:
(1) البيان في غريب إعراب القرآن:1/34.
(2) نتائج الفكر في النحو:141.
(3) إعراب أسماء الله تعالى وصفاته وما يتعلَّق بذاته عز وجلَّ ضوابطُ وآدابٌ:93.
(4) إعراب القرآن:1/167-168.
(5) تذكرة النحاة:686.
(6) انظر: ألفية الآثاري:109.
(7) موسوعة مُصطلحات علم الكلام الإسلامي:2/1116.
(8) صحيح البُخاري:4/83، رقم الحديث (3106).
(9) انظر: إعراب ثلاثين سورةً من القرآن الكريم:11.
(10) انظر: اللُّباب في علل البناء والإعراب:1/378.
(11) انظر: شرح الكافية:4/430.
(12) شرح كتاب سيبويه:1/355.
(13) طبقات الشافعية:3/358.
(14) مجموع مقالاته:520 (كتابٌ شَبكيٌّ).
(15) شرح مختصر قواعد الإعراب
** **
- صفاء صابر مجيد البياتي