من استقرأ الأدبيات التي تناولت أوهام النخب الثقافية، وثقافة الوهم، ومها إلى بروز الشعبوي في مقابل النخبوي، التي تلتها إعلان سقوط النخب، ومداولات تهشم الأبراج «العاجية»، وبروز فردانية الجماهير التي تحولت إلى طوباويات بنيوية، لا يمكن اقتحام جدارياتها ما لم يصبح النخبوي نسقاً شعبوياً، ضمن سياق شعبي، ومن ثم يودع جميع مقتنياته (العاجية)، حتى وإن بدت إليه مشروع العمر، أو ناطحة الفكر التي كان يزاحم بها مناكب السحاب!
هذا هو المجال العام الذي وإن شكل سياقاً، إلا أنه لا يمكن التسليم به نزولاً عند ما تفسره الجماهير، وما تغلف به هذا السياق من انطباعات هي بذاتها لا تعدو أن تكون شكلاً ظاهرياً لانتقال عدوى الوهم من النخبوي إلى الشعبي، ومن البرج العاجي الواقعي، إلى برج جماهيري افتراضي، ومن فجوة بين قادة الرأي بين مرسل ومتلق، إلى سلسلة من الفجوات التي تحولت فخاخاً ومصائد سقوط لمن أراد السقوط فيها من النخب، في وقت كبرت فيه شريحة من الجماهير على النخب أربعاً، فيما اكتفت شريحة جماهيرية أخرى بإسدال الستار على مسرح النخبة، منذ عقود، ومع ذلك لا يزالون قابعين في أماكنهم بانتظار بروز نخب ما بعد النخبة!
لا يمكن في هذا المقام تتبع بعض المؤلفات التي توالت في استقراء هذه الظاهرة، ولا المؤتمرات وإلى ما توصلت إليه بحوثها، ونحت إليها نتائجها، ولا مواكب إيقاع تداعيات هذه الظاهرة في وسائل الإعلام، ووسائل التواصل، فماذا عساه أن يشكل وجهة لامتداد هذه الظاهرة إذا ما قلنا – مثلاً – بموت النخبة وبروز المشاهير! وهل هم شكل من أشكال النخبة، أو ظاهرة شكلانية جماهيرية لما بعد النخبة! وهل نحن أمام ظاهرة ثقافية أم ظاهرة استهلاكية؟! أم أننا أمام انعكاس لوهم النخب، وثقافة الوهم، الذي ربما فسرته لنا نظرية الانعكاس بانعكاس الوهم الافتراضي!
* في بيئة الذكاء الاصطناعي.. وكائنات الروبوت.. أما تزال الوسائل محايدة؟!
** **
- محمد المرزوقي