أ.د.عثمان بن صالح العامر
على إثر قرار الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية (منع دخول إرساليات الخضراوات والفواكه اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها) لحين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات كافية وموثوقة لاتخاذهم الإجراءات اللازمة لإيقاف عمليات تهريب المخدرات الممنهجة ضدنا في بلادنا المباركة المعطاء المملكة العربية السعودية.
على إثر هذا القرار جال في خاطري شخص الشيخ علي بن محمد الجميعة رحمه الله الذي لا أعرف رجلاً نذر نفسه -بصفته الشخصية لا الرسمية- وبذل ماله وجهده ووقته وفكره وقلمه وجاهه وولده لموضوع (توطين الزراعة ومن ثم تحقيق الأمن الغذائي) مثل هذا الرجل الذي جعل هذا الأمر هدفاً وطنياً عزيزاً عنده فكتب مقالات عدة.. وحاضر في عدد من جامعاتنا السعودية.. وتنقَّل بين مناطق المملكة المختلفة مسوِّقاً لفكرة الزراعة الوطنية.. واستضاف في مزارعه بحائل (العزيزية والمسرة والشعلانية) أهل الرأي والخبرة والمختصين الأكاديميين ليقفوا بأنفسهم على نماذج من الزراعة السعودية، ويتحاوروا ويناقشوا وجهاً لوجه ثنائية (الماء والزرع) بكل أريحية وشفافية ووضوح، ومن منطلق وطني صرف، وعلى أسس علمية أكاديمية من جهة، وميدانية تجريبية من جهة ثانية، معتبراً أن الاجتماع لمناقشة هذه القضية الوطنية، بل العالمية الدقيقة المهمة- التي تعد إشكالية كبرى أمام متخذ القرار - من أفضل الاجتماعات التي يعقدها المسلمون بعد الاجتماع لأداء الصلوات الخمس في بيوت الله (المسجد).
كما أن الجميعة أنشأ وتبنى ودعم وأشرف بنفسه وتابع ملتقى الخطة السنوي الذي يعد علامة فارقة في تاريخ اللقاءات المتخصصة بالشأن الزراعي، ليس هذا فحسب، بل عمل بنفسه في الحقل وكان يجد متعته في حرث الأرض وسقي الزرع وحين يكون الحصاد أو جني الثمار.
ومن الميدان رفع -رحمه الله- عرائضه لولاة الأمر -حفظهم الله وأدام عزهم ومجدهم- يذكِّرُ فيها بأهمية الأمن الغذائي في الاستقرار الداخلي الحالي والمستقبلي، ودوره الرئيس في علاج كثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها البطالة، وفي ذات الوقت يشرح معاناة المزارع الصغير، ويبيِّن بكل شفافية ووضوح وجهة نظره الشخصية في استثمار رأس المال السعودي في الزراعة الخارجية التي كان يرفضها تماماً ويعلن ذلك صراحة في جلساتها ومقالاته وعرائضه ، فهي في نظره مخاطرة حقيقية في أمن رئيس (الغذاء) تتأثر بشكل مباشر بالسياسات العالمية والعلاقات الثنائية وكذا الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تتبدل وتتغير لا محالة في هذا البلد أو ذاك، داعياً رجال الأعمال أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار الواسع في الزراعة الداخلية التي يعتبرها العمود الفقري للاقتصاد المحلي، والضمان الرئيس للتنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية، ولذا لا عجب -في نظره- من أن (جلالة الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- جعل شعار المملكة نخلة محمية بسيفين، والنخلة -كما هو معلوم- رمز الزراعة).
وحتى يشارك رحمه الله في ردم الهوة بين النظرية الأكاديمية والتطبيق الميداني بادر بتأسيس كرسي الشيخ علي الجميعة للتنمية المستدامة في المجتمعات الزراعية في رحاب جامعة حائل ودعمه بخمسة ملايين ريال، وموَّل عدداً من المؤتمرات والندوات الزراعية التي احتضنتها جامعاتنا السعودية، ودعم الجمعيات الزراعية الأكاديمية والأهلية، وصرف على عدد لا حصر له من الدراسات الزراعية المتخصصة سواء في البذور والأسمدة والتربة، أو بالتسويق والصيانة، أو الصناعة والتخزين. وعلى خطى أبي فهد -رحمه الله- سار وما زال يسير أبناؤه وأحفاده من بعده فها هم اليوم في الحقل من جديد من أجل إكمال مسيرة والدهم في المشاركة الحقيقية لتحقيق أمن غذائي سعودي متميز في ظل دعم ومباركة من لدن قيادة بلادنا المعطاءة المملكة العربية السعودية مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله ورعاهما- اللذين يوليان القطاع الزراعي جلَّ اهتمامهما وعظيم رعايتهما، ويدعمان كل مبادرة من شأنها المساهمة الفعلية في تحقيق رفاهية الحياة وأمن وسلامة وسعادة والتوسيع على المواطن والقاطن، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.