د.بكري معتوق عساس
إذا كان تاريخنا الإسلامي غنياً بالمكتبات العامة الكبرى، كبيت الحكمة في بغداد، ودار الحكمة في القاهرة، ومكتبة الخلفاء الفاطميين في القاهرة، والظاهرية في دمشق، وغيرها فإنه غني أيضاً بالمكتبات الخاصة التي أسسها رجال أخلصوا للعلم، وأرخصوا له مالهم وجاههم، كمكتبة الخليفة الحكم في الأندلس، وقد كان فيها أربعمائة ألف مجلد، ومكتبة الفتح بن خاقان وقد قيل: إنه اجتمع فيها ما لم يجتمع في خزانة قط، ومكتبة جمال الدين القفطي الذي شهر بتتبعه للكتب ومرضه عند فقدها، ومكتبة بني عمار في طرابلس وكان فيها مئة وثمانون ناسخاً ينسخون بالليل والنهار، ومكتبة ابن الخشاب النحوي، وكان من أولع الناس بالكتب.
والمكتبات الخاصة ذات نكهة قد لا نجدها في المكتبات العامة، ففيها النوادر التي يقتنصها أصحابها، وفيها تعليقات أربابها من العلماء والأدباء، وفيها أيضا الوثائق والمراسلات والمكاتبات التي ترتفع قيمتها بقدر ارتفاع قيمة أصحابها، وكانت المكتبات قبل توحيد المملكة، في منازل بعض العلماء والأدباء والمثقفين، وأغلب مقتنياتها يختص بعلوم القرآن والفقه والفرائض والأحاديث النبوية الشريفة واللغة العربية وآدابها وآداب الرحلات والعلوم الإنسانية.
ونفخر في المملكة بأول مكتبة شخصية في تاريخنا الحضاري، وهي مكتبة محمد بن جبير بن مطعم أحد أئمة التابعين، وكان ابن جبير هذا قد جمع كتبه كلها في بيت، وأغلق عليه بابا، ودفع المفتاح إلى مولاة له، وقال لها: «من جاءك يطلب منك مما في هذا البيت شيئا فادفعي إليه المفتاح ولا تذهبي من الكتب شيئاً! فكانت أول مكتبة خاصة تفتح للجمهور في تاريخ الإسلام».
وشهدت مكة أيضاً سلسلة طويلة من المكتبات الخاصة المذكورة قديما وحديثا، كمكتبة الأمير شرف الدين، ومكتبة تقي الدين الفاسي، ومكتبة الكردي، ومكتبة الشيخ محمد سرور الصبان، ومكتبة الشاعر إبراهيم الغزاوي، ومكتبة علوي شطا ومكتبة أحمد عبد الغفور عطار ومكتبة عاتق البلادي ومكتبة القاضي محمد بن هديهد الجهني ومكتبات عبد الله بن دهيش، وحسن مشاط، وحسين فدعق، وأحمد محمد فقي. وفي المدينة المنورة كانت أشهر مكتباتها مكتبة عارف حكمت التي أنشئت عام 1270هـ، وفي الطائف مكتبة محمد سعيد كمال التي أنشئت في ستينيات القرن الهجري الماضي. وكانت معظم بيوت علماء نجد والأحساء وحائل وغيرها لا تخلو من مكتبات خاصة للتثبت من الأحكام ولنشر المعرفة والثقافة. إن هذه الكنوز الهائلة من المكتبات الخاصة توجب على المؤسسات العلمية الثقافية أن توليها عنايتها، وتشملها برعايتها، حيث إنها قد تؤول في النهاية إلى المجتمع إما عن طريق صاحب المكتبة نفسه أو بعد وفاته يقوم الورثة ببيعها أو بإهدائها لمكتبة معينة أو للمجتمع.
قال أبو تمام: «الكتب أجمل أثاث في المنزل حتى إذا لم نقرأها».