د. تنيضب الفايدي
تكثر الكهوف في الحرار والجبال: مثل الكهف الاستيطاني الضخم في جانين التي تقع في الشمال الشرقي من مدينة حائل الذي يبلغ طوله حوالي 50م وتنتشر على جدرانه الداخلية وعند مدخله مجموعة كبيرة من طبعاتٍ لكفوف بشرية، ومثل كهف أم جرسان الذي يقع شرق الثمد (والثمد جنوب خيبر ما يقارب عشرة كيلومترات حالياً) الذي يعتبر أطول كهف في العالم العربي حيث يبلغ طوله (1500م) والحديث حالياً لا يتعلق بكهف أم جرسان ولا كهف جانين، وإنما يركز على كهف ذارة وذارة تقع في الشمال الغربي لمدينة الحناكية (غرب النخيل وتبعد عنه بما يقارب 15كم) وهي قريةٌ حديثة قليلة المنازل (أثناء زيارة الكاتب لها) أَخَذت لها مكاناً بنهاية حرة (ليلى) أو (حرة خيبر) مع بُعدها عن خيبر، وحرة ليلى تذكر كثيراً في شعر المحبين حتى أن بعضهم يتمنى أن يبيت ليلةً بها (وما أكثر ما بات الكاتب في حرة ليلى وفي أطرافها عندما كان يتتبع مواقع المدارس) قال أحد المحبين:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً
بحرة ليلى حيث ربتني أهلي
بلادٌ بها نيطت عليّ تمائمي
وقطعن عني حين أدركني عقلي
وقد فتحت بـ(ذارة) مدرسة قبل أكثر من ربع قرن وكان الكاتب يتجول على المدارس ومنها مدرسة ذارة الابتدائية التي لم يمض على فتحها سوى عام أو عامين وكنتُ مسؤولاً عن الإدارة المدرسية أي: مشرف إدارة مدرسية، وعادة أطلع على جميع أعمال إدارة المدرسة وكان الربيع يغطي ذارة ببساطٍ أخضر مع جمال الأشجار وتعدّد أنواعها، بل وتشعر بأن الهواء الذي تتنفسه يحمل إلى رئتيك عبق الربيع، وتعودت الاجتماع مع الطلاب ومشاركتهم أحياناً (الفسحة الكبيرة) وأسألهم - حسب موقع المدرسة - عن الجبال والأودية وأين يسكنون، وتمّ ذلك مع أطفال المدرسة (الصف الأول والثاني فقط) فقلت لهم: إنني ذاهبٌ إلى كهف ذارة (وهو قريبٌ من المدرسة) فقال لي أحدهم وبكلّ براءة: (أمي تقول إذا هوَّد الليل تِطلع الجنية فلا تروح يا أستاذ (هوّد الليل أي: إذا سكن الليل) وقد ذكّرني كلام الطفل:
سكنَ الليل، وفي ثوْبِ السكون
تختبي الأحلامْ
وسعى البَدرُ، وللبدرِ عُيُون
ترصدُ الأيّامْ
وفعلاً ذهب الكاتب إلى كهف ذارة وملأت أشواق الربيع أقطار نفسه، إضافة إلى أنه كان شاباً وكان آنذاك في حاجةٍ إلى مَنْ أو ما يطفئ أو يخفف هذه الأشواق مردداً - آنذاك:
فتعالي، يا ابنةَ الحقل، نزُور
كرمة العُشَّاقْ
علّنا نطفي بذيّاك العَصِير
حرْقةَ الأشواقْ
ومع معلومات سابقة عن الكهف بأن له عدة فتحات يستطيع أي فرد الدخول منها ويعلم بأنه لم يصل إلى نهايته أحد، ويعلم كذلك بأن هناك أصواتاً تصدر عن ذلك الكهف - إن صدق مَن نقل ذلك الكلام - مع كل ذلك تشجّع لزيارة الكهف ما دام لم يأتِ وقت (إذا هوّد الليل) تلك العبارة التي قالتها الأم ونقل لي طفلها، إذاً (الجنّية ستكون في كهفها المسحور لن تخرج في النهار)
لاتخافي، فعروسُ الجنّ في
كهفِها المَسحورْ
هجَعَتْ سكرَى وكادَتْ تختَفِي
عن عيون الحورْ
وحتى مليك الجنّ بعيدٌ عن هذا الكهف ولا يعطيه أي أهمية؛ لأنه إذا مرّ به (يروح):
ومليكُ الجنّ إن مرّ يَرُوحْ
والهَوَى يَثنيهْ
فهوَ مثلي عاشِقٌ كيف يَبوحْ
بالذي يضنيه!
ووصل الكاتب الكهف ودخل من إحدى فوّهاته وسمع بعض الأصوات ولعلّها أصوات الصخور التي تتساقط أثناء نزوله، لكنّ المعلومات التي لديه جعلته يعتقد بأنـها أصوات من الداخل وأحسّ بالخوف الذي أخذ يزداد وخرج مسرعاً وامتطى سيارته وهو يتمتم بالمعوذات وترك تلك الأجواء الربيعية، وكل ما أسرع يحسُّ بأن ما تحيط به من أشجار تسرع معه، سلامٌ على ذارة وكهفها المسحور...