د.كوثر خلف حامد
ذكرني كلام شربل وهبة بموقف حصل معي عام 2015 في قاعة دراسية في كلية إدارة الأعمال في حرم جامعة كانساس، حيث كنت طالبة دكتوراه مبتعثة للدراسة في الولايات المتحدة وأدرس تخصص إدارة الموارد البشرية كتخصص فرعي، وفي ذلك الفصل طلب منا البرفسور أن نأخذ موقعه على المنصة ونقول نبذة تعريفية عن حياة كل واحد فينا لزملائه الذين كان أغلبيتهم من أمريكا، بعضهم طلبة مبتعثون من الجيش الأمريكي، حيث عرفت ذلك من سردهم لبعض القصص، لقد أخذ كل من زملائي وقته في التعريف عن نفسه والاجابة عن أسئلة الزملاء حول ثقافته، وكما هي عادتي التي أحبها كنت آخر طالبة تقدمت للمنصة، وبدأت حديثي عن نفسي وبأني أم لأربعة أطفال وأصولي من البادية، وأني عشت بعضاً من سنوات طفولتي مع جدي وجدتي في الصحراء، حيث كنت أساعدهما رحمهما الله في رعاية الغنم وحلبها وعمل الجبن والسجاد والحقائب من صوف الغنم، وأردفت «بالرغم من ذلك فأنا أحلم أن أحصل على الدكتوراه وأكون شخصية مؤثرة في بلدي».
كانت نبذة قصيرة وبسيطة جدا بدأت بعدها الأسئلة تنهال علي من الطلبة. كان هنالك أسئلة كثيرة، بعض منها مضحك يستفسر عن تقنية نساء البدو في صنع «اليوقرت» أي «الروب» وكيفية مقاومة خيمة البدو للمطر، وكان هنالك سؤال من إحدى الطالبات وأذكر نصه حرفياً حيث قالت «كيف لمرأة من البادية عاشت في الصحراء أن تحصل على الدكتوراه من جامعة كانساس وأن تعيش في مدينة أمريكية وتتأقلم معها». على الرغم من أن السؤال قد يبدو استفزازياً إلا أنني ابتسمت وقلت لها «البداوة ليست رجعية أو وجود خيمة أو غنمة في حياتك وإنما هي أخلاق وثقافة مصدرها التأمل في نظريات الطبيعة والصبر على الشدائد ومراعاة القيم رغم قساوة الصحراء وبساطتها».
وطرحت لها قصة جدتي رحمها الله مع القط الذي كانت تربيه وتدللـه وكأنه طفل لها، وغضبت مني في إحدى المرات لأنني ضربته وطردته ورغم انها أمية إلا انها قالت حقيقة علمية. قالت جدتي: «ما في فم القط أنظف من الإنسان وإن القط صديق المرأة منذ غابر العصور قبل اختراع الثلاجات، فإذا رفض قطاً أكل لحم مطبوخ في المنزل دل ذلك على أن الأكل فسد مع حرارة الجو، وأنه غير صالح لإطعام الأطفال». وتأكدت بعد مرور 20 سنة بالصدفة أثناء إحدى عمليات البحث في قوقل من صدق هذه المعلومة حيث إن لعاب القط علمياً يحتوي على مواد مطهرة Antiseptic
كان نشاطاً طلابياً جميلاً، وقضينا فيه لحظات شيقة ومكنني من أن أقول شيئاً في خاطري، حيث كنت أتساءل دوماً عن سبب قيام البعض بربط البداوة بالتخلف على الرغم من ان البادية لها عاداتها وتقاليدها التي تعد مفخرة لكل العرب. ولا أنسى مرة موقفاً حصل معي وأنا بعمر 8 سنوات حيث إني رفعت طرف الخيمة ودخلتها عوضاً عن الدخول من الباب، فوبختني جدتي وقالت لي: إن ما قمت به يخالف عادات البدو حيث من الواجب دخول البيوت من أبوابها، وما يخالف ذلك يعد منقصة ويستوجب في عرف البدو العقاب، وهنا أسأل نفسي وأنا أتابع مقطع شربل الذي يستنقص فيه البدو وهو رجل حاصل على إجازة وشهادة في الحقوق: أين هو من ثقافة البدو التي يعايرنا بها؟ وهل علمته ثقافته احترام الإنسان وتقديره؟. إن كان البدو في أشد ظروف حياتهم ضراوة احترموا قيمهم وأنفسهم وقططهم وخيولهم ومواشيهم فأين شربل من هذه الثقافة التي يعايرنا بها وهي أرقى وأثمن مما يدرك؟.
شربل ومن على شاكلته ما هم إلا جاحدين يعضون الأيدي التي أحسنت لهم وهم في الحقيقة مطاة لحزب الله وألسنة لها. وما خرج على لسان شربل ما هو إلا غيض من فيض حقده ودليل دامغ على تدني أخلاقه وأخلاق حزب الله وأتباعه الذين لا شيء يردعهم عن الفساد في الأرض لا دين ولا اخلاق ولا حتى عرف بادية او مدينة.