فضل بن سعد البوعينين
للمملكة دور ريادي في دفع عجلة التنمية في الدول المحتاجة عموماً، والدول الإفريقية على وجه الخصوص. وهو دور لا يُبنى على حسابات المنفعة والمصالح بقدر ارتباطه باستشعار المسؤولية تجاه الدول الفقيرة، ومد يد العون لها، وإن لم تكن على وفاق سياسي معها. ولا يقتصر دور المملكة الريادي بتقديم المساعدات، بل يتجاوزه إلى معالجة بعض مشكلاتها الدولية التي تؤثّر سلباً على استقرارها وتنميتها ورفاهية شعوبها، ومشكلاتها الأمنية وبما يعزّز استقرارها وترسيخ الأمن فيها.
في قمة باريس لمواجهة تحدي نقص تمويل إفريقيا، أكدت المملكة دورها الريادي في المساهمات التنموية عموماً، ودفع عجلة التنمية في دول إفريقيا على وجه الخصوص، وحرصها على دعم الجهود الدولية الموجهة لإرساء قواعد الأمن والاستقرار وحل النزاعات المقوّضة للتنمية، وهو ما أكده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في كلمته التي ألقاها في القمة، وشدَّد فيها على دعم الجهود الدولية والإقليمية لإرساء دعائم الأمن والاستقرار وحل النزاعات ومحاربة الجماعات الإرهابية والتطرف من أجل ترسية دعائم الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية.
الأمن والاستقرار يشكلان القاعدة التي تبنى عليها التنمية الاقتصادية، والضامنة لتحقيق الاستفادة القصوى من المساعدات الدولية بأنواعها، والداعمة لاستدامة الأنشطة الاقتصادية، والمعزّزة للاستثمارات الأجنبية.
يؤمن سمو ولي العهد بالحلول المبتكرة وغير التقليدية في تقديم المساعدات ومعالجة التحديات، وخصوصاً أن مخرجات غالبية مؤتمرات الدول المانحة وقمم الدعم الدولية لا ترقى لمعالجة تحديات التنمية، ولا تسهم في القضاء على مشكلة الفقر، ولا تدعم الإنتاجية وخلق الوظائف. فالمساعدات التقليدية أشبه بالمسكنات الوقتية التي تزول دون تحقيقها أهداف التنمية المستدامة. كما أن إعادة جدولة الديون، أو تقديم المزيد منها يجعل الدول أكثر انغماساً في مستنقعها، وأقل استفادة من مواردها المالية أو أي مساعدات طارئة تذهب في الغالب لسداد الأقساط، وخدمة الديون، ما يتطلب البحث عن حلول تسهم في خلق تنمية مستدامة ونقل تلك الدول من حالة الفقر إلى التمكين الاقتصادي والاستدامة، والاعتماد على قدراتها الخاصة. لذا أشار ولي العهد إلى أهمية توصل القمة «إلى حلول مبتكرة تساعد دول القارة على الخروج من دوامة الديون وتضمن لهذه الدول القدرة على استغلال إيراداتها ومقدراتها الذاتية وتجعل ما يقدم لها من استثمارات مفيدة لاقتصادها ومجتمعاتها وقادرة على تحقيق التنمية المستدامة التي تحقق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية مثل خفض نسبة البطالة وتخفيض نسبة الفقر».
أجزم أن هذا ما تحتاجه الدول الإفريقية بشدة، وما يستوجب على الدول المانحة الحرص على تحقيقه لضمان إرساء قواعد التنمية الاقتصادية المستدامة، ومعالجة أزمة الديون، وتضييق الفجوة التنموية بين الدول النامية والغنية.
التوسع في ضخ الاستثمارات الأجنبية من أدوات المعالجة المبتكرة، والمحققة للتنمية الاقتصادية المستدامة، بعيداً عن الديون، وهو ما حرصت المملكة على جعله جزء من برامج الدعم المقدمة، ومنها برامج صندوق الاستثمارات العامة الذي مول عدد من المشروعات في قطاعات الطاقة والتعدين والاتصالات والأغذية بأكثر من 15 مليار ريال سعودي، وبرامج الصندوق السعودي للتنمية الذي يعمل بشكل فعَّال في إفريقيا منذ أربعة عقود قدم خلالها 580 قرضاً ومنحة، لأكثر من خمسة وأربعين دولة إفريقية وبقيمة تتجاوز 50 مليار ريال.
لم تكتف المملكة بما قدمت من دعم مالي واستثمارات تنموية نوعية، بل واصلت جهودها المباركة في دعم التنمية في دول القارة الإفريقية وتعزيز الاستثمار فيها والدعوة لعقد القمة السعودية - الإفريقية، والقمة العربية - الإفريقية لتنسيق الجهود وتكثيف العمل وتحقيق الأهداف التنموية المنشودة.
أختم بالتذكير بأهمية شطب ديون الدول الإفريقية لتمكينها من استثمار مواردها المالية، والمساعدات الدولية في تعزيز تنميتها الاقتصادية والخروج النهائي من دوامة الديون، وهو ما تبنته المملكة وحفزت الدائنين على تبنيه من أجل تخفيف عبء الديون، ودعم الإصلاحات وتشجيع الاستثمار.