من حكمة الله -عز وجل- وكمال تدبيره أنه جعل لكل مخلوق أجلاً محدودًا لا يتعداه مدركين أن الموت حقيقة لا جدال فيها كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} وبالرغم من هذه الحقيقة فإن العين تدمع والقلب يحزن على فراق قريب أو حبيب.
ففي يوم الخميس السابع عشر من شهر رمضان المبارك عام 1442هـ انتقلت العمة شما بن زيد بن علي الدريهم بعد عمر تجاوز المئة عام بقليل، وهي شقيقة والدي علي بن زيد الدريهم رحمه الله رحمة واسعة الذي أحبها حبًّا جمًّا، ووقف معها سندًا ومعينًا في أصعب الظروف مما هوّن عليها متاعب الحياة. وكانت تبادله الحب والتقدير، ومن أبرز وصاياه لنا البر والإحسان والاهتمام بها ما دامت على قيد الحياة. لقد رحلت عن هذه الدنيا الفانية إلى الدار الآخرة بعد حياة حافلة بطاعة الله، وبذل العطاء، والصبر على متاعب الحياة، وعلى الرضا بقضاء الله وقدره، وينطبق عليها قول الشاعر:
تمضي الحياة وفيها خادع الأمل
وتفنى الجسوم ويبقى صالح العمل
لقد كنتِ يا عمتي -رحمك الله- دوحة حب عظيمة بعطفك وحنانك، وبرك في أقاربك، ومعارفك، وجيرانك، وكنت نورًا يملأ أرجاء المكان، ويشعرنا بالأمان رحلت عن دنيانا، وتركت لنا الحزن أشكالاً وألوانًا، وكنت في طاعة الرحمن عنوانًا، وكنت نعم الصّابرة المحتسبة الشاكرة لربها والرحيمة الطاهرة كما قال ابنك البار محمد، وأبناؤك كلهم بررة حيث قال: (من أمي تعلمنا منها الصّبر ومواجهة مصاعب الحياة فكانت المعلم الأول لنا في حياتنا).
ومن أبرز صفاتها -رحمها الله- أنها كانت لينة الجانب الذي أدناها من قلوب محبيها ومعارفها، ولقد عاشت حياة سعيدة محبوبة لدى أسرتها، وأقاربها، وجيرانها؛ لأنها تكرم من يزورها من الأقارب والجيران، وتبارك لهم وتهنئهم في المناسبات والأعياد، وفي الأفراح وتواسيهم في أتراحهم وأحزانهم وينطبق عليها قول الشاعر:
قضيت حياة ملؤها البر والتقى
فأنت بأجر المتقين جدير
أنجبت -رحمها الله- بنين وبنات، فأحسنت تربيتهم ورعايتهم حتى كبروا متمسكين بالأخلاق الفاضلة، والقيم الصالحة.
رحمك الله رحمة واسعة فقد كتبت هذه الكلمات البسيطة في رثاء عمتي التي طالما أحبتني وغمرتني بعطفها وحنانها، وفي الختام أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتغمدك بواسع رحمته ومغفرته وأن يسكنك فسيح جناته، ويلهم أبناءك البررة
(محمد العجلان، وزيد العجلان، وعبدالله العجلان، وفهد العويدان) وبناتك الصبر والسلوان، ولا نقول إلا ما يرضي ربّنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- ابن أخيك: د. زيد بن علي الدريهم