ضحكتْ فقلت: البرق شق سحائباً
وبدت فقلت: الليل ولَّى هارباً
وتنفست مسكاً يفوح وعنبراً
فترى الشذا لما تهادت ساكباً
قال أبو عبدالرحمن: تهادت: تمايلت في مشيتها.
هذي عروس الشعر أحسن خلقها
رب كساها بالعفاف جلاببا
ووصفتُ كلَّ عريبِ جد ماجداً
يغدو لها بالعقد كفوَاً صاحبا
فأبت وقالت: لاتزدني خبرة
بالخيرين أكارماً وأطايبا
واسلك بنا درب الجنوب موفقاً
كرمت مرابعها وطبن مشاربا
دار الأمير وكل قلب بيته
جعل الأباعد بالوئام أقاربا
فزجرتها: إنَّ الأمير موحِّد
لكنني أخشى عليه الكاعبا
قالت: أكون إذن وصيفة حِبِّه
أخفي الجوى وأرود درباً لاحبا
قال أبوعبدالرحمن: حبه: محبوبته، والحب بكسر الحاء.
حسب التي عشقت جلال خصاله
وعلى البعاد شكت ضموراً شاحبا
قرب الحبيب وبيننا ذمم التقى
أسعى بخدمته وأغضي حاجبا
فارض الذي رضيت تكف دموعها
يابن الكرام ولا ترد الخاطبا
عُلِّيتَ في درج الملوك مراتباً
وسموت في جو العلوم مواهباً
أو ليس من عبدالعزيز وفيصل
أبواه أضحى في المفاخر غالباً؟
أو ما كفاك ظلال إرث آيل
أن قد زكوت مناصباً ومناسبا؟
حتي امتحنت المعضلات تجارباً
وبينت أطْماً من طريفك دائبا
قال أبو عبدالرحمن: أطماً: قصوراً وحصوناً.
مضناك قلب طالما حمَّلته
من ضيم عزمك مرتقى ومتاعبا
فمضى حديداً ما شكى عظم الهوى
لو كان قلب سواك أضحى ذائباً
قال أبو عبدالرحمن: حديداً: قويًّا صلباً.
لله صدر للهموم منادح
قد أخجل الدهناء تيهاً راحباً
قال أبو عبدالرحمن: راحباً: رحباً؛ لأنه
ورد الفعل الماضي رحب بكسر الحاء
على وزن سمع؛ فيكون منه اسم الفاعل.
جللتَ رغد العيش راحة ضيغم
لم تنس عن ترف طمحاً واثبا
عصراً ينام السخل مع سرحاله
لا نستزيد له قناً وقواضبا
قال أبو عبدالرحمن: عصراً: المراد به
عصر رغد العيش؛ وهو وقتنا الحاضر..
السرحال باللام والنون وهو الذئب.
لو كنت في جيل الطراد لخضته
جلداً وكنت به عذاباً واصبا
قال أبو عبدالرحمن: جيل الطراد عهود الحروب.
كالسيف في حلل القراب مذهباً
يبدي أفانين الجلاد مذاهبا
يهتز صلتاً من قِراب مترف
ويعد فراج الكروب مضاربا
قسَّمت وقتك للفقيه وشبهه
وسعى الأديب إلى بساطك آدبا
قال أبو عبدالرحمن: قسم سموهأيام الأسبوع للقاء مختلف ذوي التخصصات؛ فيوم السبت للمشايخ، ويوم الأحد للأدباء، ويوم الإثنين لرؤساء الدوائر، ويوم الثلاثاء للأعيان.
يهفو إليك شويعر أو شاعر
فيعود عن إفراط عجب تائبا
أسمعته في منتداك غرائباً
وحباه فيض من نداك رغائبا
قال أبو عبدالرحمن: الرغائب: العطايا.
وجعلت للمسؤول منك مربياً
وصمدت تأسو شاكياً أو عاتبا
قمم الشمائل يا ابن فيصل أنطقت
من قيل: موهوب.. وكنت الواهبا
فخرائد الشعراء فيك خوالد
لازلت مقصوداً ودمن رواغبا
ما جئت أبغي نائلاً لكنني
مأسور فضل جئت أقضي الواجبا
شعر المدائح صُمَّ منه مسامع
وغدا كذوب للمنائح ناهبا
فمنمق هجراً يليق بعقله
ومسفسط كفراً يروع الراهبا
قال أبو عبدالرحمن: هجراً: بضم الهاء
القبيح من الكلام.. والراهب كناية عن الورع.
فهناك تارة يحيي الأنام وتارة
من خوفه تثوي الدهور لواغبا
قال أبو عبدالرحمن: وذلك في كف صفي الدين الحلي بقوله يمدح المنصور بن أرتق:
لذ بربوع الملك المنصور محيي الأنام قبل نفخ الصور
وقوله: يخضع هام الدهر فوق بابه
وهناك جعفي وغزي الفِرى
وكذا ابن هاني إذ تشاعر كاذبا
قال أبو عبدالرحمن: المتنبي الجعفي، وابن هانىء، والغزي، وكثيرون غيرهم ممن نظم الضحك على الأذقان.
(وما شئت لا..) (فاحكم فأنت) إلهنا
يا ويحه بالكفر رام مآربا
قال أبو عبدالرحمن: أعني كفر ابن هانىء في قوله يمدح قرمطيًّا:
ماشئت لاما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
يا ويحهم أفلا حثو في وجهه
ما يستحق وترَّبوه متاربا ؟!
فشكرت ربي أن شعريَ قاصر
من دون قدرك لا يحيط مناقبا
وإذا دعوتَ بطول عمر لامرئ
فدْمٍ يجر من الخمول مساحبا
قال أبو عبدالرحمن: فدم: عيي عن الكلام مع نقائض من الثقل والرخاوة وقلة الفهم والحمق والغلظة والجفاء.
فهو الدعاء برزئه في عمره
حتى يكون تفاهة ومثالبا
من رام طول العمر وطَّن نفسه
للمفزعات غياهباً ونوائبا
ما العمر إلا خُلْد مجد غابر
يغدو لسمار التليد مآدبا
قال أبو عبدالرحمن: التليد: المجد القديم.
أدعو بطول العمر إذ وطنتها
وبلوت دهرك غالباً ومغالبا
لا أنت تعفيها ولا هي أعذرت
عما تنال مناقباً ومكاسبا
ما أعذرت نفس يُفجِّر خُلدَها
ندْبٌ على التحليق ظل مواظبا
قال أبو عبدالرحمن: ندب: خفيف الحركة سريع قضاء الحاجة مع ظرف ونجابة.
ذللت صعب الرأي إذ جلَّيته
وجلبت بالحدس الصدوق عوازبا
يخشى المريب الظن منك فراسة
إذ كان كل الحدس عندك صائبا
في لمح عينك نظرة موزونة
تبدي مواردَ نائبٍ وعواقبا
والعين باب العقل ترنو فطنة
فيضيؤها بصراً ورأياً ثاقبا
لولا جوار المصطفى ومقالة
قد حث فيها المسلمين مخاطِبا:
«من يستطع موتاً بطيبة فليمت»
لم أرض دونك مشرقاً ومغاربا
قال أبو عبدالرحمن: الحديث صحيح.
باب السلام ومنبر في روضة
من جنة تُلفي نداها صائبا
قال أبو عبدالرحمن: تتنزل الرحمات كصيِّب من المطر.
وشذا قبا يا ابن الكرام معاهد
تذكي دفيناً في فؤادي لاهبا
صلى الإله على نبي بالهدى
يمحو ظلاماً أو يجلي شائبا
** **
- شعر: أبو عبدالرحمن بن عمر بن عقيل الظاهري (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل)