منال الحصيني
كتب إلي أحد الكتاب يقول: إن الكتاب يُعرف من عنوانه، فجميل هو أسلوبكِ لولا أن معانيه غير مفهومة!
لم أر أغرب من رأيه فهو يفرق بين اللفظ والمعنى.
كمن يصف قصيدة بأنها جميلة الأسلوب ولكنها تافهة المعنى أو بمن يمتدح قطعة نثرية واصفاً إبداع كاتبها لولا ركاكة أسلوبها.
إني أظنه شُبه له أن اللفظ وعاء والمعنى سائل يملأ ذلك الوعاء، فتارة يكون عسلاً وتارة يكون خلاً وبرهة صافياً وحيناً كدراً، ويظل الوعاء على هيئته لم يتغير.
فهو لا يعلم أنهما ممتزجان كامتزاج الغازات في الهواء، وكتجانس بخار الماء مع الهواء ليُنتج غيمة وسط السماء
فجمال اللفظ بجمال معناه، وشنيعه بشناعته، فحينما نصف جمال الأسلوب في مقال ما فنحن نصف بذلك جمال معانيه.
وأعلم أنه حينما تقرأ مقالاً أو نصاً نثرياً فأقنعك أو أحزنك ولربما أسعدك أو أترك في نفسك اثراً كما تترك تقاسيم العود أثرها في نفس سامعها، فأعلم أنها من بليغ المعاني، وأن هذا الذي تركه في نفسك من الأثر هو «معناه»، أما حينما تقرأ مقالاً وشعرت لحظتها بجمود نفسك أمامه وخيّل إليك أنك تقرأ كتاباً بلغة لا تجيدها، فاعلم أن لا معنى لذلك المقال.
فليس البيان إلا الإبانة عن المعنى القائم في نفس الكاتب، وتصويره في نظر القارئ تصويراً صحيحاً، ولا أرى أن الاستكثار من غريب اللغة ونادر الأساليب هو ما يقوي فهم القارئ.
فالكلام صلة بين متكلم يفهم، وسامع يفهم، كذلك فالأمر أهون من ان نُحار فيه، فبناء على قوة وضعف تلك الصلة تكون مكانة الكاتب.