د. محمد عبدالله الخازم
هذا مقال تتكرر فكرته مع تكرار موسم القبول بجامعاتنا، ويبدأ بالسؤال؛ ماذا نريد من جامعاتنا؟ هل نريدها مجرد قاعات درس أم معاقل حضارية تبنى فيها أسس تكوين الشخصية السعودية المنفتحة على الآخر؟ كيف يتحقق الانفتاح ونحن لا نكتفي بتقليص أوجه المناشط غير المنهجية الرياضية والثقافية والفنية والاجتماعية.
كتبت قبل عقدين من الزمان، متباهياً بجامعاتنا كمساهم في تكريس الوحدة الوطنية، وكنت أزهو بجامعتي التي من خلالها تعرفت على أبناء وطني من خارج منطقتي وكونت معهم صداقات دائمة. كانت جامعة تجمع أبناء الوطن من كافة المناطق، وفيها زملاء من دول أخرى بشكل ملحوظ.
الذي حصل بعد ذلك، أنه وبسبب موجة الانغلاق ونقص المقاعد الجامعية، تم إلغاء قبول الطلاب الأجانب بالجامعات السعودية، ففقدنا قيمة وسيلة لتعزيز التنوع والتعرف على الثقافات من خلال الاحتكاك بالطلاب غير السعوديين. ثم جاءت مرحلة أخرى، افتتحنا جامعات المناطق فبرز التوجه الأخطر الذي تتبناه بعض الجامعات بشكل معلن أو غير معلن، في اقتصار قبول طلاب المنطقة بجامعة المنطقة. هذا الأمر يعني أن أبناءنا سينهون الثانوية ثم الجامعة وهم لم يغادروا مناطقهم ولم يجربوا العيش بشكل مستقل يسهم في تكوين شخصياتهم، والأهم في هذا المقام، لم يتعرفوا على ثراء وطنهم بالتنوع ولم يتقبلوا ويتعرفوا على زملاء من مناطق وقبائل وفئات شتى.
هذا أمر غير إيجابي، ولمثله نطالب بوضع سياسات تهدف إلى تعزيز التنوع والوحدة وتقليص مصادر المناطقية المحتملة في جامعاتنا. تحديداً، أقترح تحديد نسب محددة من أعداد المقبولين من داخل المنطقة ومن خارجها، عبر إتاحة نسبة 30 % من المقاعد، على أقل تقدير للطلاب من خارج المنطقة. ليكون القبول بجامعاتنا على مرحلتين، الأولى لقبول أبناء المنطقة في نسبة 70 % من المقاعد المتاحة والمرحلة الثانية لأبناء المناطق الأخرى والدول الأخرى، كأن تخصص نسبة 5 - 10 % للطلاب الأجانب سواء المقيمين أو القادمين من دول أخرى. طبعاً مع مراعاة الجامعات النوعية كجامعات الملك فهد والملك سعود الصحية التي لا تعد جامعات مناطق ويجب أن تتاح للجميع دون تفضيل لمنطقة دون أخرى.
إن عدم قبول أو تقليص قبول الطلاب من خارج المنطقة بالجامعات السعودية يأتي من نظرة عاطفية وليست علمية، لأنه يُحرم أبناءنا وبناتنا من التعرف على عادات وعلاقات وثقافات مناطق أخرى وشعوب أخرى. ويقلص أدوار جامعاتنا في تعزيز الوحدة الوطنية على المدى البعيد، كما يحرمها من وسيلة مثلى للتقارب مع الشعوب الأخرى.
إضافة إلى تحديد سياسة القبول المقترحة أعلاه، أو دعماً لها، علينا تأسيس مفهوم التبادل الطلابي بين الجامعات السعودية بحيث يتاح - مثلا- لطالب من جامعة (س) دراسة فصل أو فصلين بجامعة (ص)، والعكس، واحتسابها ضمن معدله ودرجته العلمية. طبعاً، على الجامعات دعم الطلاب القادمين من خارج المنطقة بما يحتاجونه من تسهيلات في السكن أو سواه...
نريد جامعات تزرع قيم الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي و تقبل الآخر لدى أجيال المستقبل...