علي الخزيم
مضت أيام العيد مسرعة كأي أيام سعيدة؛ ومن فرط الفرح بها ننسى النظر خلالها الى التوقيت وتاريخ اليوم، وقد لا يكبح تمادينا بمتعة إجازة العيد سوى تذكير جَليس أو مسامر لنا بأن الغد يوم عمل؛ فتتسع حدقات عيون البعض وتتقافز علامات الاستفهام والتعجب: أهكذا تمضي سريعاً أيام الأنس والانشراح؟! نعم؛ هي كذلك، مع أن عدد ساعاتها ومواقيتها كالأيام غيرها، غير أن النفس البشرية تطمع دوماً بالمزيد من الخير بما فيه من متممات ومقومات سعادة القلوب وانشراح الصدور، ومع إدراك أن أعياد العام وأيامها معلومة محسوبة إلا أن الإنسان لحب الخير لشديد، ولا بأس بذلك على أن يقترن باستخلاص الدروس والعبر من حكمة العيد السعيد ومشروعيته، فأيام العيد ولياليه ليست للَّهو والمرح العابث، والإسراف بالموائد والحلويات والمشروبات إلى حد البطر بزعم أن العيد يكتمل بهذه العناصر وبهذا التبذير وامتهان النعم، وجلب أصناف الألعاب للأطفال بأثمان باهظة، ونحن على يقين أنهم سيتلفونها بعد سويعات، فكان من شكر النعم ترتيب موائد مُبسَّطة، وللأطفال هدايا والعاب رمزية تناسب يوم العيد، وتبعث بنفوسهم الفرح، ولا تكون بدائرة الإسراف المَنْهِي عنه، نستخلص من العيد التجارب الجيدة التي يمكن تطويرها وتحسينها لقادم الأيام، لنصنع لأنفسنا وأسرنا أجمل مواسم الفرح والمرح بعيداً عن كل إسراف ومثالب تطال مروءتنا.
مضامين العيد لا تحتاج لمزيد من العناء والغوص بالقواميس والتفسيرات، هي مشاعر وجدانية تستحث شغاف القلوب لتقود النفوس لتلاقي النفوس غيرها؛ بحب وتحنان وفرح جذل يملأ الأفق الأسري والاجتماعي بشميم وعطور الأعراس الباذخة بالوئام والتصافي، وكأن النفس تُقسِم للأخرى بأن: (لا فراق ولا خصام ولا مشاحنة ولا غدر ولا خيانة ولا لؤم ولا تدليس وتلبيس بالتعامل لا من قريب أو بعيد؛ بعد هذا اليوم النقي الصافي الدافئ)، قد يقول قائل: هذه أحلام أو ضرب من الهذيان! لماذا أيُّهَا الفاضل؟ فَيُجِيب: لأن الكل يعيش المشهد ذاته كل عيد وكل مناسبة تجمع القوم بمحيط الأفراح ومعطيات السعادة؛ وتشاهد العناق والتصافح بالأيدي والابتسامات التي تكاد تشع ضوءًا وبرقاً بأجواء مفعمة بروائح العطور المنبعثة من ثنايا الملابس والحلل الزاهية، فما هي سوى سويعات لتنقشع كل ملامح تلك المراسم المُتكَلَّفة (عند البعض) واجتَهَد لها أصحابها باصطناع الابتسامات من بين الأضراس ولم يبصم القلب ولا المشاعر عليها؛ إذ إنها وقتية لم تُخزَّن بوجدان القلب وجوانحه كبادرة حسن نية، ولم تستوعبها النفوس المتطلعة لفرصة لتحسين ما بين هذا وذاك من علاقات مضطربة، وكأنها تقول: فما قيمة كل هذه الملابس الزاهية والعطور الفوّاحة إذا لم تقترن بصدق النوايا والطُّهر والنقاء، وبنفوس صافية لا تمتهن كلمات المجاملة الروتينية لنرددها صباح كل عيد ندَّعي من خلالها أننا كقلوب احتواها قفص صدري واحد.
من الواقع فإن ثعالب ترتع وتروغ بين نظرات الأعين وخفقات القلوب بمشاعر وعلاقات مهزوزة وربما مُزيفة، والبرهان هو دوام كل الخلافات وتزايد الأحقاد وتنامي المشكلات رغم مرور الأعياد والمناسبات التي يجب أن تكون فرصة للتسامح، وإتلاف مخزونات الكراهية.