عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيه تجديد. نعم -بحمد الله- عيدنا فيه تجديد وفرحة والسعادة شعور قبل أن تكون حضورا. كان عيد 2020 مظاهرة إلكترونية وكنا في حالة ذهول من حصار كوفيد.
عيد هذا العام أنيق ولطيف فهو أقل حصار وأكثر إشراقة وجمالاً. لكن عيدي هو اجتماع أحبتي وأهلي ورؤية ابتسامة وأناقة والدي بعد صلاة العيد بالبشت العودي والغترة البيضاء. نعم هذا أجمل منظر صباح العيد فكل فتاة بأبيها معجبة.
العيد في ذاكرتي له تفاصيل جميلة في منزل أسرتي منها تناول فطورين بشكل مختلف شعبي وعصري. الفطور العصري قبل صلاة العيد نبدأ الصباح بتناول الخبز الفرنسي (brioche) يحظره والدي خصيصاً من اليورومارشيه مع حليب بالنسكافيه نأكله على عجالة في المطبخ علماً بأن هذا النوع من الخبز من تجهيزات عيد الفطر فقط. بعد صلاة العيد اجتماع العائلة على فطور العيد الشعبي وهو عريكة بالسمن والعسل.
العريكة طبق شعبي تتميز به منطقة عسير يتكون من خبز وسمن وعسل، لكن سمن العريكة له طريقة خاصة ويمسى هذا السمن (الرظيفة)، حيث يتم تسخين حجر أملس، ثم يوضع في الطحين بعدها في الزبدة المذوبة ليتكون خليط من القشد والسمن اللذيذ له رائحة زكية مع رائحة الخبز واختلاطها برائحة العود والبخور في المنزل له نكهة خاصة صباح العيد.
هذا الشعور والذكرى اللتان أبحث عنهما هنا في بريطانيا مع منظر والدتي وهي تجهز الفطور وحملها الأكل لوضعه على سفرة العيد، وترحيب والدي المعتاد لوالدتي بعبارة (أكرمها وسلَمها وحي قيَمها) فعلاً هذا ما أفتقده في عيد هذه السنة.
في المناسبات السعيدة والأحداث المفرحة عادة تطرأ علينا الذكريات ونحاول أن نعيشها مرة أخرى. ويكون الهدف من محاولة تكرار بعض أشكال تلك الأحداث هو في الواقع حنين وبحث عن ذلك الشعور القديم. أحدهم يتذكر هذه المشاعر والذكريات بصوت أغنية أو رائحة عطر أو عنوان كتاب. وأيضاً برائحة طبق معين يجعله يتذكر تفاصيل الحدث كاملة.
لحرصي على تقليد والدتي في غربتي مع أطفالي وغرس فيهم رائحة وذكريات العيد كما تفعل أمي. قررت ذلك عن طريق خبز عريكة العيد لكن ظهرت إشكالية هنا أنه لا يوجد لدي حجر (الرظيفة). بحثت في الحدائق عن حجر مناسب لم أجد. حينها تذكرت أنني أملك حجرة ملساء مسطحة دائرية كتب عليها عبارة.
(change your thought and change your world) بمعنى غيّر أفكارك يتغير عالمك. لهذه الحجرة حكاية اشتريتها من مزاد في جامعة نوتنجهام. كان هذا المزاد يدعم فكرة التأمل وذكرت لي البائعة أن هذه الصخرة من معبد في تايلاند، وقد تم استخراجها بطريقة معينة ولهم طقوس في استخراجها وكتبت عليها هذه العبارة لتتفاعل العبارة مع طاقة الحجر. اشتريتها في ذلك الوقت مجاملة للبائعة فقد تعبت، وهي تشرح لي طقوس وتاريخ هذه الحجرة ولم أرد أن أكسفها، وقد بدت جد متحمسة فقررت شرائها بـ30 جنيهاً استرلينياً. عدت للمنزل ووضعتها على مكتبي ونسيت أمرها ولم أشعر بالطاقة المنبعثة منها كما ذكر ذلك لي.
تذكرت هذه الحجرة عند تجهيزي لعريكة العيد واستخدمتها ووضعتها في النار لأعد السمن وكنت أفكر في أصحاب الحجر إذا علموا أنني صنعت بها العريكة وأعددت به فطور العيد وأنا أغني -كل نهار العيد عايد حبيبه وأنا حبيبي غايب الله يجيبه- كما كانت ترددها والدتي عند إعداد فطور العيد وتتذكر أمها وأبيها -عليهم رحمه الله- وتغني مع بعض الدموع ثم تكمل الفطور. لكن أحمد الله أنني كنت أردد كلمات هذه الأغنية وأنا أكلم أهلي من بلد الابتعاث مكالمة فيديو وأعد العريكة لايف ومباشر من قلب الحدث ولم تكن هناك دموع بل تعليمات والدتي عن كيفية تسخين الحجر بالطريقة الصحيحة وكان الفطور افتراضياً عن بعد مع الكثير من الشوق والحب لوالدي ووالدتي، أطال الله في أعمارهم ومتعهم بالصحة والعافية وكل عام وأنتم بخير.
** **
محاضر بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن - باحثة دكتوراه - المملكة المتحدة