د.جيرار ديب
أكدت مصادر مقرّبة من الخارجية الأميركية، أنّ قناعة أميركية باتت تتبلور حول لبنان، بأنه أصبح دولة معطلة بالكامل، وتقترب من إعلانها «دولة فاشلة». لا أحد يتنكّر لواقع الحال الذي يتخبّط فيه لبنان، من تردٍّ لأوضاعه الاقتصادية والمعيشية، ولكن يبقى السؤال: «هل وصلنا إلى مرحلة أن نكون دولة فاشلة؟ وما الذي ينتظرنا بعد؟
التقارير والبيانات كافة، لاسيما الأوروبية، تؤكّد أنّ لبنان يسير نحو الهاوية، بقيادة مسؤوليه بسبب الكيدية السياسية التي يمارسونها. فحالة الإفلاس، والفوضى التي بدأت تتسّرب إلى الحياة الاجتماعية، تؤكّد القناعة الأميركية بأنه بات الدولة الفاشلة.
يعاني لبنان من غياب تام لدور السلطة الحقيقية، إذ انسحب صراعه السياسي إلى داخل جسمه القضائي، وهنا تكمن الخطورة في ترهل الدولة. فالمشهدية التي تمثّلت بحرب الصلاحيات بين القاضي سمير عويدات والقاضية غادة عون، حول التمرّد والصلاحيات ليس إلا سيناريو من سيناريوهات التشابك السياسي بين الرئاستين الأولى والثالثة، المنعكس على الجسم القضائي.
في قراءة هادئة للسياسة الأميركية، تحديدًا حول منطقة الشرق الأوسط، نجد أنها تحاول إعادة هيكلة هذا الشرق، بما يتناسب مع مصالحها أولاً، والمحافظة على استمرارية وجود الدولة الإسرائيلية، عبر ترسيخ قوتها على سائر دول المنطقة ثانيًا. وبالطبع، بهدف وضع العراقيل للقوة الدولية والإقليمية الصاعدة، لاسيما الصين لضرب طريق حريرها الذي يرتكز على مناطق هذا الشرق وبحاره.
لم تعد سرية تلك التقارير التي تُدرس في الدوائر الأميركية حول الرؤية المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط، تحديدًا رؤية الباحث لويس برنارد صاحب فكرة تقسيم المنطقة إلى دويلات تكون فيها إسرائيل ضابط الإيقاع. فالولايات المتحدة تعمل لتحقيق تلك الرؤية على الحروب غير التقليدية، حروب الجيل الرابع التي ترتكز على خلق الفوضى لإفشال الدول وإضعافها.
فحروب الجيل الرابع، هي الحروب غير النمطية، التي تعتمد على المعلوماتية والقوى الناعمة، وتمرّ عبر ثلاث مراحل رئيسية هي: أولاً، زعزعة استقرار الدولة المستهدفة، المرحلة الثانية إفشالها، وأخيرًا تفكيكها وتقسيمها وخلق واقع جديد على الأرض يخدم مصالح الأنظمة المتداخلة. إذًا، أين لبنان من مراحل الجيل الرابع؟
بالعودة إلى المرحلة الأولى، عاشت الدولة اللبنانية اللااستقرار مع حركة 17 تشرين الأول، حيث تزعزعت مؤسساتها، وبدأت تشهد بوتيرة دراماتيكية سرعة في انهيار عملتها، وارتفع التضخم المالي، وضرب الجهاز المصرفي، وانسحبت الشركات العالمية من أسواقها، فازدادت البطالة وارتفعت أعداد الفقراء. وكان لانفجار المرفأ الضربة القاضية التي دفعت بالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى طرح مبادرة إنقاذية علّها تعيد ثقة المجتمع الدولي إلى لبنان، بعدما فقدتها نتيجة رفض حكومة الرئيس حسان دياب تسديد ديون لبنان اليوروباوندز، فتُرك لبنان لمصيره، وامتنع صندوق النقد الدولي عن دعمه إلا بعد تحقيق الإنجازات.
مرّ لبنان في المرحلة الأولى، من حرب الجيل الرابع، إذ لا أفق للخروج من نفق الانهيار، خصوصًا أنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري، يواجه انقسامًا عموديًا مع رئيس الجمهورية، فبرزت خلافات في جوهر التشكيل، فتحت المجالات لطرح إعادة الدعوة لمؤتمر تأسيسي، يعيد صياغة جديدة للدستور أو لبعض مواده.
إعلان أميركا لبنان دولة فاشلة، يعني دخوله حتمًا المرحلة الانهيار. فموقف المملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج حول وقف استيراد المنتوجات الزراعية اللبنانية، التي تعتبر المتنفس للمزارع اللبناني لإدخال العملات الصعبة إلى البلد بسبب تهريب المخدرات من خلالها، يزيد من فشله.
أما وإنّ لبنان بات دولة فاشلة، يبقى السؤال: «ماذا بعد؟» قد تكون الإجابة بالتقسيم والتفتيت لكيان لبنان إلى دويلات أسوة بالدول المجاورة التي فقدت سيادتها على كامل أراضيها. أليس هذا ما طرحه ثعلب السياسة الخارجية الأميركية هنري كسينجر في بدايات الحرب الأهلية في لبنان عام 1975؟!
بالطبع كان التقسيم ولم يزل، سيّد السياسات الأميركية في المنطقة، لأهداف باتت أكثر وضوحًا. فلبنان الذي شبّهه وزير الخارجية الفرنسي بسفينة التايتنيك يغرق دون موسيقى، يبدو أنّ غرقه كان سريعًا، لاسيما وأنّ الدولة العميقة فيه سارعت إلى الدفع بالغرق كي تنقذ نفسها ممّا جنت يداها من نهب وهدر لأموال عامة على مدى ثلاثين عامًا، وما قضية تهريب الأموال وعدم تطبيق قانون الكابيتال كونتول إلا تفسير.
إنّ الرفض الغربي والعربي لمساعدة لبنان، قد يرميه في أحضان محور الممانعة، بفضل نفوذ حزب الله، الذي تعلم من حياكة السجاد الإيراني، كيف يحيك نفوذه في لبنان، بعدما حاك وجوده في كل من سوريا والعراق واليمن، لينضم لبنان إلى هذا المحور؛ فعلاً يبدو أن الاتفاق الصيني الإيراني، سيكون له امتدادات في المنطقة ويكون مرفأ بيروت نقطة الارتكاز.