عثمان بن حمد أباالخيل
زملاء الدراسة، زملاء المرحلة الثانوية قبل أربعة عقود ونيف. زملاء دراسة جمعتني بهم أجمل الذكريات وأسعد اللحظات، زملاء أرى نفسي في كل واحدٍ منهم، إنهم أنا، وأنا هم. زملاء سعدنا في وقتنا حيث لا جوال ولا إنترنت ولا فضائيات ولا أجهزة ذكية بكل تقنيانها.
زملاء كنا نمشي سيرًا على الأقدام لنصل إلى المدرسة الثانوية الوحيدة في ذلك الوقت.. زملاء لكنهم أشقاء الروح.. زملاء قضيبنا أجمل وأطيب الرحلات إلى المُصفّر مصفر الغضى مصفر الذكريات مصفر المتنفس الجميل.
شجرة الزملاء في ذلك الوقت، كانت أوراقها خضراء جميلة، كل ورقة تحمل اسم زميل من الزملاء.. شجرة تروى بالطيبة والاحترام والتقدير، شجرة مغروسة شجرة طيبة ثابتة على أرض المودة والمحبة. الذكريات الجميلة نجم في السماء يضيء لنا، ودرة فخر تتلألأ ونزين بها حاضرنا الذي يزورونا كلما شعرت بالحنين إلى الماضي، ماضي الكعابة (تأخذ من أرجل الغنم) والدنانة (جنط سيكل) ولعبة أم تسع.
أوراق شجرة الزملاء منذ ذلك الوقت ومنذ سنوات بدأت تصفر وتسقط وتموت، الموت حق وهذه سنة الله في خلقه، قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (الرحمن 26 - 27). لا أعلم متى تتساقط كل الأوراق هذا بعلم الغيب. لكن مع مرور الأيام والسنين وتعاقب السنين تنحني الشجرة وتذبل عروقها وتسقط.. أحزن كثيرًا وأشعر بالحزن أكثر حين أرى ورقة من أوراق الشجرة أخذت تصفر وتذهب خضرتها وبريقها. كُلما أردت أن أعيش ذكريات الماضي أخذت أتصفح ذلك الكتاب المُخزّن في الذاكرة قبل أن تشيخ، الحنين إلى الماضي هو رحلة تعتلي صهوة الذاكرة للعودة. في لقائنا الأول بعد غياب طويل ومبادرة جميلة لهذا اللقاء أخذت أتصفح وجوه زملاء الدراسة، أتعرّف على وجوهم التي غزتها تجاعيد الزمن وأجسامهم التي أرهقها التعب، لكن أصواتهم ونبراتها لم تتغير لكنها في الطريق إلى التغيّر، كل شيء في هذه الحياة يتغير.
أقتبس:
(ذكرياتٌ داعبت فكري وظني
لستُ أدرى أيها أقرب مني)
«الشاعر أحمد رامي»
جميع ذكريات الزملاء هي ذكريات قريبة إلى القلب والعقل. مع أني أملك ذكريات كثيرة، لكن لا تستطيع أن تختار ما تتذكره، فالذكريات هي التي تفرض نفسها وقت ما تشاء، كل ذكرى لها شذى جميل ورائحة من الزمن الجميل، فالماضي لا يموت ولا يشيخ نحن من نشيخ وتشيخ ذاكرتنا حين يشاء الله سبحانه وتعالي. قروب الزملاء هو القروب الوحيد الذي أصبحت عضواً فيه، شخصياً لا أؤمن بكثرة القرويات فهي مضيعة للوقت والتدخل في النواحي الاجتماعية ونقل الإشاعات.
وفي الختام حياة العصر اختلفت كثيرًا وفي كل شيء عن حياة الماضي، مع أن العصر جميل لكن الماضي أجمل بكل تفاصيله وصفائه. همسة لجميع من يعشق الماضي لا تندم على عشقه فهو العشق الوحيد الذي ينعش الذاكرة ويبكي العين ويطمئن لها القلب.