د. تنيضب الفايدي
يطلق الحَوَرُ على العين عندما يشتد بياضها كما يشتد سوادها مع استدارة حدقتها ورقة جفونها، وحور جمع حوراء، ويزداد جمال العين ولاسيما إذا كانت حوراء (حور عين) والحوراء التي في عينها كَحل وملاحة وحسن وبهاء، وقد يطلق على المرأة عندما تكون شديدة بياض الجسد مع شدة بياض العين في شدة سواد مقلتها.
ويمثل الحَوَرُ جمالاً، لذا تغنى به الشعراء، ولاسيما إذا كان ذلك الحَوَرُ في العُيون.. ألم يعلن ذلك صراحة الشاعر العربي الشهير جرير:
إن العيون التي في طرفها حَوَر
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
والحَوَرُ قد حير بعض الشعراء، قال أحدهم:
لقد تحير وصفي في حقيقته
كما تحير في أجفانه الحور
وتحير الكاتب أيضاً بداية في الكتابة عن الحوراء أو أملج حالياً، هذه البلدة الوادعة الهادئة ومصدر الحيرة: هل يتم التركيز على تاريخها الموغل في القدم، أو على وضعها الحالي ومواكبتها قافلة الخير والعطاء ونموها الحضاري، أو على طبيعتها السياحية ومستقبلها المشرق.
وسميت الحوراء قديماً بالدار البيضاء، ومع شهرة هذا الاسم حديثاً إلا أن الحوراء (أملج) هي الأولى به، حيث سميت بذلك من العهد الإغريقي فقد أطلق عليها (بليكي كومي) التي تعني الدار البيضاء، والحوراء معروفة بهذا الاسم في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبيل غزوة بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد -رضي الله عنهما-، ينتظران قافلة أبي سفيان عند رجوعها من الشام حتى إذا وصلا (الحوراء) على طريق الشام- مكة، مكثا هناك، فلما مرَّت القافلة، أسرعا إلى المسلمين يخبران النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمرها، وتوارت الحوراء عن الأنظار بكنوزها بعد أن أضناها سفر السنين الخوالي، واتخذت ستراً من الرمال الذهبية، ولا تخلو كتب رحلات الحج من ذكر الحوراء ولاسيما الرحلات التي اتخذت الساحل طريقاً، حيث ذكر الجزيري الحنبلي في كتابه الدرر الفرائد المنظَّمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظّمة، ذكر الحوراء حيث يقول: «وهي قرية من قرى الحجاز تُباع بها العجوة، وبها قوارب لِطَاف، بها جماعة لصيد السمك، وهي بساحل البحر، وماؤها حفائر جفار غير سائغ، والعامّة يقولون: إذا وصلت الحوراء عَبِّي لنَجْوك جُوْرة)، لأنه يُسَهِّل البطن لشدة ملوحته، ويَعْذب يسيراً في بعض الأحيان إذا سال الوادي، والمراكب المتوجهة إلى الحجاز تستقي منها، وبها شجر الأراك أيضاً. كما نقل صاحب الكتاب المذكور: «وفي كتاب عجائب البلدان: الحوراء قرية صغيرة، وبها معدن البرام، ويحمل منها إلى سائر أقطار الأرض، وشُرْبُهم من آبار عذبة، وهي على ساحل بحر القُلزم. وفي زمن الجزيري الحنبلي كانت الحوراء تتبع درك أمير الينبع كما وردت في الشعر:
يَا مَنْهَلَ الحَوْرَاءِ ذَكَّرْتَنِي
بِالنِّيْلِ لَوْ لَمْ تَنْقَضِ فَوْرَا
بَيْتِي على شَاطئِهِ مَحْمَلي
والأَنْهُر الجارية الحَوْرا
كما ارتبط الحوراء بـ: نبط وأكرى:
رَوِّ مِنْ نَبْطَ مَطِيِّي
واسْقِنِي ثم تَوَجَّهْ
ودَعِ الحَوْرَا فَإِنِّي
صِرْتُ أَشْنَاها وأكْرَهْ
كما ربِطَتْ الحوراء بـ: ينبع وذكر عقيق المدينة وقباء، ولعلّ العُقَيِّق ذكَّر بالعقيق حيث قال الشاعر:
يَا رَعَى اللهُ جيْرَةَ الجَرْعَاءِ
وقِبَاباً عهدتُّها بِقُبَاءِ
وسَقَى وَادِي العَقِيْقِ غَمَامٌ
مِنْ رُبُوْعٍ تَرْبُو عَلَى الأَنْوَاءِ
كَمْ قَطَعْنَا بِهَا لِيَالِي وَصْل
بِدَوَامِ اللَّقَا، وطِيْبِ الهَنَاءِ
يَنْبُعُ الدَّمْعُ بالعَقِيْقِ وتَهْمِي
مِنْ جُفُونِي للْمُقْلَةِ الحَوْرَاءِ
كما ذكر العياشي الحوراء في كتابه ماء الموائد حيث قال عندما ذكر الحوراء: «ثم ارتحلنا ونزلنا من العقبة السوداء عند طلوع الشمس، وهي عقبة صغيرة في أرض سوداء ذات أحجار وأشجار، ويقال إنها أول أرض الحجاز ولا يبعد ذلك، فإن من هنالك تخالف الأرض ما قبلها، وتباين الجبال ما سواها، ويشتدّ شبهها بجبال الحجاز السود، ويتقوّى الحرّ، وتسترمل الأرض، فسرنا محاذين للبحر إلى أن نزلنا الحوراء ضحى، وقال الناس فيها، وتفرقوا بين تلك الأشجار على ساحل البحر، ومياهها حفائر على ساحل البحر، يحيط بها ديس كثير، وفيه ملوحة قليلة، والقريب العهد بالحفر أجود من غيره، وكلما طال في القرب خبث، والإكثار منه يورث إسهالاً مفرطاً كماء الأكرة والأزلم، وعجرود، فلما وردت الإبل وأخذ الناس حاجتهم من الماء ارتحلوا ظهراً.
وترعرعت أملج مجاورة لها على ساحل البحر الأحمر ذي الشطآن المرجانية تحتضنها جبال متوسطة الارتفاع، شمال (ينبع الخير) وتميزت بموقعها، حيث تلتقي الجبال والرمال الناعمة التي تميل إلى اللون الأبيض مع بحرها الهادئ ليشكل الجميع موقعاً سياحياً متفرداً، ويتوسط بحر الحوراء جبل متعدد القمم المستوية ومساحته واسعة، وكان أهل الحوراء (أملج) يستخدمونه مراعي لأغنامهم ومواشيهم، حيث تحمل في سفن وقوارب كبيرة إلى هذا الجبل، وهو من عوامل الجذب السياحي، نظراً لموقعه الاستراتيجي وكبر مساحته، حيث يصلح تماماً أن يكون موقعاً متنفساً للسائحين في الساحل الغربي.
وقد واكبت أملج التطور الذي تعيشه المملكة العربية السعودية، حيث تجد المباني المتعددة الأدوار، والدارات (الفلل) الجميلة، والأسواق التجارية وتوفر الخدمات المختلفة للسائحين، كما تتوفر بها جميع مقومات السياحة حيث اعتدال الجو، والشواطئ الرملية المنتشرة على طول ساحلها، حيث يعانق شاطئها النخيل في منظر لا ينقصه الجمال مع وجود بعض المتنزهات الطبيعية، بل أصبحت الحوراء تمثل أكبر مشروع اقتصادي وسياحي على مستوى العالم (أو كأن غد) من حيث توفّر كامل مقومات السياحة بها. وأهلها يجيدون كسب قلوب الزائرين بحسن تعاملهم، ولطف عشرتهم ويحس الزائر بتعاطفهم وحبهم، وأخيراً فإن هدوء البحر وجمال الشطآن ذات الرمال الناعمة، واعتدال الجو والهواء النقي الذي لم يمر برئتين قبل رئتيك يغريك بتأجيل توديع الحوراء، ويجعل كلماتك شاعرية لترسلها شوقاً للحوراء وثغرها!!. ومن المؤمل أن يعاد لها اسمها الذي عرفت به من عهد الإغريق (الحوراء أو المدينة البيضاء White City).