الياباني هيودا أنودا ضابط معلومات في الجيش أرسل إلى جزيرة لوبانغ الفلبينية عام 1944م إبان الحرب العالمية الثانية وأمره قائده بأن لا يلقي السلاح وظل طيلة ثلاثة عقود مختبأ ويقاوم حتى لم يبق سواه ولكنه يرفض الاستسلام، لأن الحرب انتهت وعليه أن يلقي سلاحه، ولم يقتنع إلا بعد أن حضر قائده السابق (طبعاً متقاعد) وأبلغه بذلك وعاد إلى بلده عام 1974م وتوفي عام 2014م عن عمر 91 سنة، كذلك السير بوبي تشارلتون قرر عدم ركوب الطائرات بعد نجاته من سقوط الطائرة التي تقل فريق كرة القدم مانشستر يونايتد في ميونخ عام 1958م، والعشرات من النماذج البشرية التي تحجم عما تجهله أو من المواقف العصبية التي مرت عليها أو على من تعرف وتخاف تكرارها رغم نجاتهم منها، وهذه المقدمة درس إنساني لصعوبة عزلة الإنسان وتقطع السبل به أو مروره بتجارب تجعله يخاف من حدوثها مرة أخرى معه، وعاصرنا في بداية عام 2020م ما حدث في العالم وتوقفه في شهر مارس بسبب جائحة كورونا التي أوقفت السفر والسياحة في العالم، وأدت إلى توقف الكثير من الأنشطة والمجالات حول العالم خوفاً من العدوى أو انتشارها، وفي منتصف شهر مايو 2021م تعود تدريجيا حركة السفر بين الدول ولكن مع بروتوكولات وتعليمات جديدة متناسبة مع تخوف دول العالم وحذرها من انتشار أعداد المصابين، بل إن هناك دولا ما زالت تمنع دخول السياح وأخرى تفرض حجراً إلزامياً تختلف مدته من بلد لآخر، مما يجعل السفر مغامرة تستوجب التفكير والتريث، لأن السياحة والترفيه فقدت كثيرا من مظاهرها من سهولة وحرية التنقل والتجمعات أو المقاهي أو السهر بشكل عام بسبب الاحترازات في كثير من دول العالم.
فمنذ الخطوة الأولى في قرار السفر سنلاحظ الاختلاف والتغيير ابتداء من الحجز وظهور تعليمات جديدة وطويلة وإجراءات أو اشتراطات منها أن تكون سبق لك التطعيم وفحص سلبي من كوفيد 19 إضافة إلى تأمين طبي يغطي الإصابة بكورونا وعلاجها، وانتهاء بإجراءات التباعد في المطارات والطائرات وسلسلة من الاجراءات الطويلة والجديدة عليك والمتغيرة والتي ستواجهها قبل أن تصل وجهتك، إضافة إلى القيود والاحترازات في الأماكن السياحية والعامة والمواصلات وحتى الفنادق، خطوات تستوجب التفكير طويلا وقرار فقط من أجل السفر الضروري لأنه لم يعد ترفاً وسياحة، لأنه الوباء ما زال موجوداً ولم ينته بعد وإن تمت السيطرة جزئيا عليه.
لذا عزيزي القارئ، تحلى بالصبر والتروي عل وعسى أن تنتهي هذه الجائحة قريباً من العالم ويعود العالم لسابق حاله، وتسافر بلا خوف وترقب ورهبة وإجراءات ومصاريف عالية وقلق من تحب عليك، لذا لنتحل بالعقل والمنطق ونؤجل مشاريع السفر مؤقتاً ودعواتنا بأن تزول هذه الغمة في القريب العاجل ولنطبق مقولة الروائي البريطاني هربرت ويلز «لسنا في حاجة للشجاعة في هذا التوقيت بل نحن في حاجة إلى الحذر».