لا تزال وستبقى أسماء المثقفين والأدباء وقادة الفكر وكذلك الكتاب محفورة في ذاكرة التاريخ، رغم رحيلهم، وكذلك المعاصرون، وستظل تركتهم منارة علم ونهلاً صافياً لا يخالطه ما يكدر صفوه ونقاء جوهره.
ستبقى المكتبات عامرة، وروادها كثر، وأرففها تزخر بأسماء المثقفين من الجنسين، حتى وإن لاح غبار الجهل، واستنشقه واحتواه أعداء الثقافة وعشاق الجهل الذين أصبحوا يصدرون الجهل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويستنزفون جيوب متابعيهم.
ستظل جواهر الفكر وعصارته الثقافية هي المعين الصافي والمورد العذب الزلال، كانت ولا تزال كل منطقة من مناطق المملكة، سواء مدنها الرئيسية أو محافظاتها، لها رموزها الثقافية التي يلتف حولهم الناس، ويثقون بهم، وهم بلاشك مصدر ثقة، وفصل خصام، ومصدر بحث للمعلومية، سواء الثقافية أو التاريخية، أو حتى الشعر وأسماء الشعراء، ولكن ما يحصل في الآونة الأخيرة من تقليل من قيمة هؤلاء المثقفين والأدباء الذي أخذت الكتب من حياتهم السنين والساعات الطوال، يتنقلون بين كتبهم، ويدفعون الأموال الطائلة، ويقطعون المسافات الطويلة؛ طمعاً في الحصول على الكتب النادرة، ومن ثم أخذ عصارتها وتقديمها للقارئ الكريم من خلال المقالات التي تنشر على صفحات الجرائد أو في حساباتهم الشخصية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمتابع الشغوف للمعرفة، مع الأسف أنه حصل تطاول على هذه القامات الفكرية والثقافية والتزهيد بها والتقليل من قدرها وقامتها وقيمتها، ما لفت انتباهي ما تحدث به أحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي عندما انتهى من بسطته التي يقدمها لمتابعيه من منزله، والتي تضم كليجا أم صالح، ومعمول عبدالكريم، وذبائح أبو شنب، وشاورما خلف، وحلويات عبير، وصف شخصية إعلامية، دون أن يذكر اسمها بالديناصور، وزهد بكتاب المقالات، وأطلق على مشاهير التواصل الاجتماعي بأنهم هم قادة المجتمع، وهم النخب، وهذا القول يعود بي للمقولة الشعبية «يمدح السوق من ربح فيه»، ووصف الإعلام الحقيقي بالإعلام التقليدي، وأنا هنا أقول: إن الإعلاميين هم من وقفوا مع الجنود في الخطوط الأمامية في الحرب على الحدود، سواء إعلاماً مقروءًا أو مسموعاً، وغطوا أعمالهم، ونقلوها من أرض الميدان كما هي أمام وابل الرصاص، ونيران المدافع، وماذا فعل هؤلاء، وأنا لا أعمم، فهناك مشاهير على قدر عالٍ من الثقافة، وهدفهم توعية المجتمع، ودعم المبادرات، ولكنهم قلة مع الأسف ما يحصل في مواقع التواصل، يجب أن يقنن ولا يكون بهذه الطريقة العشوائية، كل يتحدث ويطلق لسانه بما يشاء، ويعلن عن كل ما يعرض أمامه من بضاعة حتى تحولت منازلها إلى مباسط لترويج السلع، وهذا حق من حقوقهم، لكن هناك أشياء يجب على المشهور أن يعرف حجمه الطبيعي، ولا يغتر بكثرة المتابعين له، فليس الكثرة معياراً، فمتابعة 10 من النخب الثقافية يعادل 19 مليون جاهل.
وفي الختام
سيبقى الكتاب مصدراً حقيقياً يشع من خلاله نور الحرية والمعرفة لا يقبل الوصاية، وسيقلب من يواجهه بسيف المعرفة، ويزول كل من يحارب الثقافة، وسينفر منه متابعيه عندما تستنزف جيوبهم، ويدركون أن من يعشقون متابعته ويتابعون تنقلاته ورحلاته ما هو إلا مستثمر بمتابعتهم له وما هم إلا أدوات وكائنات حية تتحرك باتجاه الشركات والمحلات التي يعلن لها.
يقول عمر بن الخطاب: لست بخب وليس الخب يخدعني!
** **
- مشعل الصخيبر