د.عبدالله بن موسى الطاير
القضية التي تجتمع حولها الإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية هي دعم الباطل الإسرائيلي، فيما لم تعلن دولة عربية أو مسلمة تخلفها عن دعم الحق الفلسطيني. أمريكا تقود المعسكر الغربي في دعم إسرائيل، والعرب والمسلمون لهم مواقف معلنة وأخرى غير معلنة من القضية، وفي كلتا الحالتين ليس لهم تأثير حقيقي في فرض الحق، كما للدول الداعمة للباطل القوة في فرضه.
عندما كانت القضية عربية خاض العرب حروبا، وفقدوا الشهداء وأجزاء من أراضيهم لصالح إسرائيل، ومع ذلك ظلّت جبهة عربية موحدة رغم النكبات. ولما تدخلت إيران بعد قيام الثورة الخمينية عام 1979م في القضية صنعت واقعا مختلفا شتت به الوحدة العربية حول القضية، وقسمت الفلسطينيين، وأغوت المولعين بشعارات المقاومة البلاغية. وكما قال الوزير ظريف في تسريباته إن روسيا والصين لا تريد توافقا بين الإيرانيين والأمريكيين من أجل بقاء إيران شيطان الشرق الأوسط تنشغل به أمريكا والغرب والعرب، فبالمنطق ذاته لا تريد إيران استقراراً في المنطقة العربية، فانشغال العرب بالقضية الفلسطينية والعداء مع إسرائيل فيه مصلحة قومية إيرانية بينة. ولذلك وظفت إيران عملاء لها منذ نحو 40 عامًا لاختراق المقاومات الشعبية الفلسطينية حتى وصلت لمرحلة متقدمة باختطاف المقاومة الإسلامية في فلسطين وتسخيرها لضرب القضية الفلسطينية من الداخل، ومنع التوافق بين فتح وحماس ونفور دول من أي تعاون مع حماس وأخواتها بعد الاعتقاد بأنها تحولت إلى أدوات بيد فيلق القدس. إيران لا تريد أن تكون هي المشكل الوحيد في الشرق الأوسط، ولذلك فإن إبقاء جذوة الخلاف الفلسطيني متقدا، وصرف العرب من حول الفلسطينيين هو مطلب للأمن القومي الإيراني.
ربما تكون إيران قد قدمت بعض الصواريخ لحماس، ولكنها في الوقت عينه تركتها في مواجهة قوة إسرائيلية قاهرة دون أن توعز لحزب الله بفك الحصار عن غزة من خلال فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل، على الرغم من أنها صاحبة القرار في إطلاق صواريخ حزب الله وليس حكومة لبنان، كما أن قرار إطلاق الصواريخ من غزة بيد قادة حماس من أصدقاء إيران وليس بيد الحكومة الفلسطينية الشرعية والوحيدة المعترف بها دوليا. وما يُخشى منه هو أن يتحول قرار المقاومة الفلسطينية لخدمة المصلحة الإيرانية وليس مصلحة فلسطين، تماما كما يحارب حزب الله وأنصار الله من أجل إيران وليس من أجل مصلحة لبنان أو اليمن.
المنهجية الإسرائيلية الإيرانية تقضي بفك الارتباط بين الشعوب العربية وأنظمتها الحاكمة، مرة بداعي الطائفية، وأخرى بداعي المقاومة، ومرة بالخروج على الأنظمة الموالية للاستكبار العالمي، ومرات من خلال تمييع الثوابت وصناعة معتقدات جديدة توحد الفرقاء بما يقوي إسرائيل ويضعف المعسكر العربي المقابل. إسرائيل قامت على أسس دينية، وحدودها من الفرات إلى النيل، وفقا لآيات التوراة، وإيران قامت على أساس فرض الحاكمية في العالم.
الدلائل تشير إلى أن التحالف الديني اليميني هو صاحب الكلمة العليا في إسرائيل حاليا، وإسرائيل وإيران هما الدولتان الوحيدتان اللتان يشارك المتطرفون والمتشددون دينيا من الإرهابيين في أفرع السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذا كانت إسرائيل الكبرى تجاور إيران من الشرق فإن إيران الكبرى تسعى لأن يعقد المسلمون لمرشدها الأعلى لواء القيادة. ربما يكون هذا الطرح مستهجنا في عصرنا الحاضر، ولكن هناك من الشواهد ما يسوغه؛ أذكر على سبيل المثال أن الأمم المتحدة لم تستطع إلزام إسرائيل بقرار واحد من قرارات واجبة النفاذ، وأن الإنجيليين المسحيين في أمريكا احتفلوا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس أكثر من احتفال بعض اليهود. وهما مؤشران على حضور البعد الديني في الاحتلال الإسرائيلي، كما هو حاضر في ولاية الفقيه الساعية إلى فرض الحاكمية الإلهية.
لنلاحظ على سبيل المثال كيف تراجع حضور القدس الشريف وحي الشيخ جراح في الإعلام - بعد أن سببا حرجا إنسانيا وأخلاقيا لإسرائيل - بمجرد دخول حماس المشهد إذ انصرف الانتباه إلى صواريخ حماس وإغفال القضية الأساسية وتجاهل دماء الأبرياء المدنيين الذين سقطوا ضحايا في القطاع أو هُجّروا من منازلهم. ولست هنا اتهم حماس بفك الخناق عن رقبة إسرائيل، وإنما أصف ما حدث.
المقاومة المسلحة ضد الاحتلال حق مشروع، وليس من قانون دولي يمنع الفلسطينيين من مقاومة إسرائيل بالطرق الممكنة، مسلحة كانت، أم سلمية.
ستبقى فلسطين قضية عادلة، واحتلالها عار على الإنسانية في قرنها الـ21، وستلحق بفلسطين أراض أخرى طالما الصراع عقائديًا.