عمر إبراهيم الرشيد
ها قد عدنا إلى نظام حياتنا السابق بعد هذا الموسم الروحي العظيم، والرابح من وفق في إعادة هندسة نفسه خلال هذا الشهر الفضيل، فتقبل الله صيامكم وصالح أعمالكم. ولعل الكثيرين تابعوا العمل الدرامي السنوي الذي هو امتداد لـ(طاش ما طاش) وإن تغير المسمى فصار لكل سنة اسم مختلف. والملاحظ أن الأعمال التي تلت (طاش) ولم يعد ناصر وعبد الله يعملان فيه سوياً، واحتكرت مجموعة (ام بي سي) العمل مع ممثلين جدد كل عام، أقول إن الملاحظ تزايد الانتقادات من البعض لهذا العمل كل عام، مع تأييد من البعض الآخر على اعتبار أن الظواهر والمشاكل الاجتماعية التي يعرض لها العمل هي من واقع المجتمع حسب رأيهم. ومع ذلك لم ألمس نقلة نوعية في كتابة النصوص تقلل من حجم النقد وتزيد من مستوى الرضا الاجتماعي وحتى الفني عن هذا العمل الذي أصبح ملازماً لمائدة الإفطار السعودية، وفي رأيي أن هذه بحد ذاته يوجب تدخل وزارة الثقافة بحكم اختصاصها بكل عمل يتصل بالثقافة والفن في المملكة، تدخلها عن طريق عقد ورش لكتابة النصوص الدرامية، بمشاركة مثقفين وكتاب وفنانين لرفع مستوى الأعمال الدرامية التي تقدمنا إلى الآخرين.
واستدراكاً، لا بد من الإشادة بحلقات قدمت خلال عمل هذا العام، مثل حلقة الاختلاسات والتعاون مع نزاهة لإيقاف المتورطين فيها، حيث كان الحس الوطني والقيمي حاضراً في تلك الحلقة. وبالمقابل، هناك حلقة قدمت صورة مشوهة بل غير واقعية عن المجتمع السعودي، وهي حلقة رب الأسرة الذي يسرق أحد المنازل وحين يتعاطف معه صاحب المنزل يطلب منه سرقة جاره، الذي بدوره يكرمه لكنه يورطه مع جار ثالث بيته عبارة عن وكر للمتاجرة بالمخدرات، فأين العاقل والرزين في المجتمع مقابل المجرم أو السفيه وعديم المسئولية، أوليس لكل مجتمع عقلاؤه وسفهاؤه؟ من هنا أرى أن المشكلة تكمن في كتاب نصوص متمكنين ولديهم الخلفية الثقافية والاجتماعية لإخراج نص متوازن ولا أقول مثالياً أو خيالياً بعيداً عن واقع المجتمع.
وفي العموم، فإن مرد هذا الضعف الدرامي لدينا وسبق أن كتبت هنا كثيراً عن هذا الموضوع ولا آتي بجديد إذا قلته، إن ضعف النشاط المسرحي أو اختفاءه بعبارة أصح لردح من الزمان، هو ما أدى إلى إنتاج درامي موسمي (رمضان فقط)، وتنقصه الخبرات الكتابية والدرامية التي تعالج مشاكل وهموم المجتمع بشكل احترافي. لكني متفائل بوزارة الثقافة وهيئة المسرح تحديداً لنفض الغبار عن هذا القطاع الاجتماعي وليس الفني والترفيهي فقط، لأن المسرح وهو أبو الفنون هو ما ينتج ممثلين على مستوى من الحس الاجتماعي والثقافي والدرامي المطلوب، مع كتاب متخصصين في هذا المجال، بل ينتج كذلك جمهوراً قادراً على النقد والتقييم والنقاش العقلاني بعيداً عن الانفعال والعاطفة المحضة. لذلك في رأيي أن مسلسل (ممنوع التجول) قدم حلقات تستحق الإشادة، لما فيها من الاسقاطات على واقعنا الحالي بالنظر إلى الجائحة وتأثيرها في العالم الذي نحن جزء منه، فيما لم يوفق في تقديم حلقات أخرى، وهذا من طبيعة العمل البشري المجبول على النقص. إذاً فدور وزارة الثقافة مطلوب بل مرحب به بدل حرق الأعمال بالنقد دون أن نساعد أصحاب هذه الأعمال على تحسين أعمالهم، إلى اللقاء.