رمضان جريدي العنزي
دعونا نحترف كيف نقطف الزهرة، وكيف نحصل على عذق البلح، وكيف نرسم مجرات الفلك وخيوط المطر، وكيف نتعامل مع الحبر والمحبرة، والسطر والمسطرة، والشعر والمفردة، وكيف نعزف ترانيم لها شكل الهدوء، ونمتهن رفع الأذى عن الطرقات، وكيف نبث بيننا السلام والحبور والوئام، ونسحب بابتساماتنا فتيل الاحتقان، وكيف نحط رحال الفرح، ونشيد مواسم الأمل، ونغرق بلون البنفسج ورائحة الياسمين، وكيف نضيء الليالي بقراءة السور، وتراتيل الدعاء، ونراهن بأن الحياة جميلة، وبأن وسائد السعادة هي الوسائد، وكيف نضبط ساعة الوقت والوعد والعمل، ونعرف أن الطحالب شنيعة، وأن الخراب مرير، وأن النعيق كريه، وأن الإشاعة كلون الرماد، وننفض عن أكتافنا غبار الكسل، ونشعل الروح بالعمل، ونكسب شيئًا يليق بنا، ولا يؤطرنا السواد، وندين القبح والزيف والظلام، وأن لا نترك الثمار تيبس، فلا بعد اليباس صلاح، وأن لا نتراخى لأن التراخي ملل، وأن لا نيأس لأن اليأس فناء، دعونا نوقد الحب في أرواحنا، ونشعل فيها فتيل البياض، وأن نتوكأ على بعضنا بلا وجل، وأن نكون كعصابة الرأس، ونحوم حول بعضنا كالحمام، وأن نخفي من الأفواه كل مساوئ الكلام، وأن لا نكون كبقايا ذخيرة أفسدها الطين والوحل، ولا ننام إلا بقدر؛ لأن النوم الطويل مضرة، دعونا نصنع الدهشة في أرضنا والتراب، نشعل الرمل، ونلهب الأفق بصراخ التحدي؛ لنصبغ به وجه الوطن، ونرسل الدروس لكل البقاع، ونفرض معنى الحياة الجميلة، ونمشي أمام القوافل بلا ضجيج، ونسرج في سارية المجد مشعلاً يدل علينا، وأن لا نشبه الموت والفناء، والحسابات الخاسرة، ولا نكون كالمرض العضال ولا كمسببات الخيبة، أو كفصائل القبح وأفواج التمرد، وأن لا تكون أرواحنا منهدلة بالخبث والكره والبغض والحسد، بل نكون مثل قصائد البهجة، ورذاذ المطر، وشمس الشتاء الحانية، والرابية العالية، نحيل عقولنا لهالات جميلة، نوسع الدلالة، ونشبك النسيج، ونعطي كسنبلة، ونجبر الممرات على أن تحتفي بقدومنا، ونجعل الحيطان تنبض، والوردة في المزهرية تختلج، كالريح، نغير شكل الأرض، وصوتنا مغاير. دعونا نركض حول بحيرات البياض، ونؤجل قصصنا القديمة ورواياتنا العتيقة، ونكتب كلامًا جديدًا لكي ننمو ونصبح مثل كل مرة على يوم جديد. دعونا نتعلم أن لا يجرح كلامنا قلوب الآخرين، ولا نمنحهم التخمة والكلام الرديء، وأن نجعلهم ينامون على وسائد الريش والمخمل. دعونا نحترف السمو، ونشيد مواسالأمل، ونزيح ستائر البغض ونزيلها إلى الأبد، ولا نشرع أبوابنا للرياح القوية. دعونا نحول قلوبنا إلى حقول جماعية، نزرع فيها البهاء المضيء. دعونا نلغي قيلولة الآناء الطويلة، ونترك ساعات النعاس الممل، ونوقظ النوارس الكثيفة ونجعلها تطير، ونترك اليأس والنحيب للباكين على الأطلال العتيقة، وخرائب القدم، ولا ننتبه لأصحاب الضغائن؛ إذ نفوسهم ملتهبة بتيارات الصواعق، يغامرون، يبحثون عن فجوات تطل منها الفكرة البائسة، يرحلون عبر الدهليز وعتمة الممر، مشحونين هم بمفردة اللغة العاتية، ويبحثون عن قارورة فارغة، خلجانهم ليست هي الخلجان، وأعوادهم من قصب رقيق، هم مثل السأم والضجر، يمخرون في عباب البرد والجليد، ولا من مجيب، إنها دعوة لإيقاد الحب في الأرواح، دعوة للركض حول بحيرات الفرح، ودعوة للحياة الجميلة.