للأيام ألوانها, وللأزمنة روائحها, وللمواسم ذكرياتها. وإنَّ للفرح لونه, وللعيد رائحته وذكرياته. وقد وُزّعت في العيد القصائد كما توزّع الحلوى, ورُسمت الأناشيد التي تُراقص القلوب, وتحيي السَّمر في النفوس, وفيه المشاعر الشاعرة, والضحكات التي تَكتبُ العيد على الأفواه, وفيه الحكايات المخضبة بالعطر, وبه الجمال الذي يلبسُ الجمال؛ فتحسب أن العيد في هيئته.
وفي العيد صور متصوّرة, وأشكال متشكّلة, نراها في صغيرٍ زيّنَته أمه بأحسن الثياب, وراح في المصلّى يوزّع الحلوى من يديه وخَدّيه, ويفوح العطر من لباسه ورُوحه, يتجمّل بالبراءة, ويتزيّن بطفولة بسمته التي لا تعرف الهرَم.
ومن صور العيد: أُمٌّ هي العيد التي في عينيها الذكرى, وفي أحاديثها حضارات تليدة رُصَّت حروف بنيانها بصوت الحُبّ والدفء, وما أجمل اليد المرتعشة التي تُزيّن سماءها التجاعيد, وتلوّن أرضها حمرةُ الحنّاء, ويسكن خاتمها الأخضر في قاع إصبعها.. ما أسعده! وإنَّ عيدَها عيدٌ لمن حولها, فتشبّثوا بأمهاتكم؛ فإنّهنَّ أعيادُ أيَّامكم.
وهل أتاك نبأ أبيك الذي لبس (بشتَه), وأوقد للبخور ناره, وزار أختَه, وهنّأ صديق أبيه, وبارك لشقيقه, واتصل برفيقه, ثمَّ عاد إلى بيته, ورأسه مرفوعٌ بالحُبّ, منصوبٌ بالتقبيل, يبني للأطفال بيوت أفراحهم من مالٍ يوزّعه, ويعمر في عيون أهله سَكينة يلقونها بلقائه.
وإنّ للآباء عيدهم, حين تقرّ أعينهم بصلاح من يُحبُّون, فاجعلوا أيام آبائكم -كلّها- أعياداً.
وإنّ للعيد بهجته, فلا تُسْكنوها بيت المتنبي, وإنّ له فرحته, فلا تُطفئوها بدموعٍ مسكوبةٍ في دروب الذكريات, وإنّ له قصّةً من سعادة تزورنا في العام مرّة أو مرّتين. والعيدُ نهارٌ لا يعرف الليل, ونهرٌ لا تكدّره دلاء الغموم. فافرحوا واسعدوا, واتركوا السوانح, والبوارح, والهموم, والذكريات, وقصائد الآلام, ودموع الأنين لأيّام أُخر.
لا تُؤجّلوا أفراحكم, فقد لا تعود.
** **
- د. سليمان بن فهد المطلق