الهادي التليلي
الضوء الأخضر الأمريكي من بايدن لمواصلة الإسرائيليين اعتداءاتهم والذي عبَّر عنه بقوله «إنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها»، هذا الموقف الذي كرَّسه وزير خارجيتها بقوله «إن قتل المدنيين الإسرائيليين مأساة»، والموقف الألماني المشرع لهذه الاعتداءات وغيرها من المواقف المتوقعة تجاه جرائم إسرائيل. هنا أوضح أنني لا أتفق في أي نقطة أو حرف في الخطاب الإيديولوجي لحماس ومن يقف من وراءها، ولكن أن يغمض العالم عينه اليمنى على جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاشم ولا يرى إلا رد القتيل على قاتله، فهذا أمر يحتاج إلى نظر وتحقيق.
في الحقيقة، أمريكا سعت إلى تمديد تاريخ انعقاد جلسة مجلس الأمن حتى تأخذ إسرائيل وقتها من تدمير وقتل ونسف لقيم البشرية من خلال قتل الأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم، وألمانيا تصرخ وتجرم الصواريخ التي ترد على هذا الإجرام من غزة. فألمانيا التي أحرقت اليهود يوماً ما تبيض الإرهاب الإسرائيلي والتقتيل والتهجير القسري ولا ترى إلا صواريخ غزة التي أسقطت القبة الحديدية 90 بالمائة منها، أو لعله الخوف المبالغ فيه للألمان من الكيان الروسي ومن طموحه التمددي الجديد في أوروبا الشرقية جعل ميركل تكتب بياناً يستحق أن يسجل في السجل الذهبي للوجه الأوروبي الحقيقي، فألمانيا مستعدة لأي شيء لتضمن انسجامها مع الخطاب الغربي الموحد ولا يهم وحدة الخطاب على الخير أم الشر، إنه خطاب المصالح والبراغماتية المتوارثة، فكل البلدان الغربية تصرفت بشكل يفي للوجه الغربي الحقيقي.
العالم الغربي أغمض عينه اليمنى عن الحقيقة وروسيا رأت بعينها اليسرى بأن إسرائيل هي من افتعل المشكلة واعتبرت بكونها بسياستها التهجيرية وإقرارها إحداث مستوطنات جديدة، حيث ورد في بيان الخارجية الروسية «القرار الإسرائلي يشأن إجلاء عدد من الفلسطينيين قسرًا من منازلهم في حي الشيخ جراح وتمرير خطط لبناء 540 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة هارحوما».
في واقع الأمر الإعلام العربي كان مرتبكاً وغير مهيء للصمود أمام الآلة الإعلامية الغربية التي تمكن بتلابيبها الاستثمار الصهيوني المردوخي بشكل لافت، فصواريخ الإعلام الغربي ضد القضية الفلسطينية كانت أشد فتكاً من كل الدمار الإسرائيلي المقترف ضد البشرية من خلال قتل الأطفال الأبرياء، لأنها حجبت كل ذلك على العالم، أو قل وفرت ذريعة للتبرير. ففي نظر الرأي العام العالمي إسرائيل صارت هي الضحية وصار من حقها الرد.. وفي الجهة الأخرى بعض الإعلام العربي كان سببًا من أسباب الهزائم الحضارية والعسكرية، إنه إعلام مصاب بعقدة الخصاء إذا ما استعرنا العبارة التقنية لعلم النفس التحليلي، هذا الإعلام الذي خذل مرحلته وساهم في تبييض الجرم الإسرائيلي من حيث أراد أو لم يدر.
ما جرى ويجري على الساحتين اليمنية والفلسطينية معركة للغرب مع إيران على ساحتين مختلفتين للطرق على طاولة فيينا، فإيران يقتل الشعب اليمني من خلال ميلشيات الحوثي لتقوية موقفها من المفاوضات، وإسرائيل تدك الفلسطينيين دكاً لجر إيران لمعركة غير مباشرة وبالتالي تقويض التفاوضات في فيينا التي لا تستجيب لمصالحها أو على الأقل إضعافه ليتماشى ومصالح الغرب، إنها رقعة شطرنج الخاسر فيها هو الأبعد على أن يكون معنياً بها، لهذا لا ننتظر من الغرب موقفاً أحسن من موقفه الذي يشبه وجهه الحقيقي الخالي من التجميل والمساحيق الكاذبة.
فلو كانت إسرائيل لها الجرأة لماذا لا تحارب إيران مباشرة، ولو كانت إيران لها الجرأة وصادقة في قولها الكاذب «الموت لإسرائيل» ها هي إسرائيل أعلنتها حربًا على القيم والمعتقد وكل ما يتذرع به الإيرانيون فلماذا لا يتواجهون خارج البيت الفلسطيني ألا يكفي أهله دمار كورونا وقمع إسرائيل وسوء المعيشة والكساد الذي سببه فساد ساسته؟