خالد أحمد عثمان
يظن بعض الكتاب والمعلقين أن صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) هو أحد أجهزة منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) وربما أدى وجود كلمة (أوبك) ضمن الاسم الرسمي للصندوق إلى هذا الظن الخاطئ، فالصندوق منظمة إنمائية دولية مستقلة عن أوبك استقلالاً تاماً ولكن توجد علاقة قانونية بين المنظمتين، أحاول في هذا المقال بيان ملامحها على النحو التالي:
أولاً: انبثاق أوفيد من أوبك:
إن فكرة إنشاء الصندوق طرحت أثناء انعقاد مؤتمر القمة الأولى لملوك ورؤساء الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في شهر آذار (مارس) 1975، إذ صدر عن المؤتمر إعلان رسمي (أكد مجدداً على التضامن الطبيعي الذي يوجد بين بلدان أوبك وسائر البلدان النامية في سعيها الدؤوب إلى التغلب على مشكلة التخلف الإنمائي ودعا إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتقرير التعاون بين هذه البلدان جميعًا). وفي 28 يناير 1976، عقد وزراء المالية في الدول الأعضاء في منظمة أوبك اجتماعاً في العاصمة الفرنسية (باريس) ووقعوا على اتفاقية (إنشاء الصندوق الخاص لأوبك). وتقضي هذه الاتفاقية بإنشاء حساب دولي مشترك تملكه الدول المساهمة فيه كل بنسبة مساهمتها إلى المجموع، ويحمل الحساب اسم الصندوق الخاص للأوبك كما تتم إدارته من قبل لجنة مشتركة تمثل فيها جميع الأطراف المساهمة ومدير عام تعينه هذه اللجنة. وتخصص موارد الصندوق لمساعدة الدول النامية الأخرى عن طريق تقديم قروض دون فوائد ولآجال طويلة سواء لدعم موازين مدفوعات تلك الدول أو لتمويل برامج ومشروعات التنمية فيها، كما يمكن أن تستخدم موارد الصندوق لمقابلة الاتزامات الدول الأعضاء في المؤسسات المالية الدولية. وتقضي الاتفاقية أيضاً بأن تتم إدارة القروض التي تقدم عن طريق الصندوق من خلال المؤسسات الوطنية الدولية المعنية بتمويل التنمية، وذلك تفادياً لإنشاء جهاز دولي جديد لهذا الغرض.
ويعتبر (الصندوق الخاصة للأوبك) وسيلة جماعية لإسهام الدول الأعضاء في الأوبك، باسمها مجتمعة، في مساعدة الدول النامية الأخرى، إلى جانب الوسائل الثنائية والمتعددة الأطراف التي تواصل عن طريقها أداء دورها البناء في التعاون الاقتصادي الدولي.
وفي عام 1980 قررت الدول الأعضاء في أوبك تحويل الصندوق إلى منظمة حكومية تنموية مستقلة لها كيانها القانوني الخاص بموجب اتفاقية جديدة وقعت في 27 مايو 1980 حلت محل اتفاقية 1976 سميت باسم (اتفاقية إنشاء صندوق أوبك للتنمية الدولية)، وحددت هذه الاتفاقية أغراض الصندوق ووظائفه ووضعه القانوني وموارده والجهات المستفيدة منه وإدارته وأحكام العضوية والانسحاب منها وغير ذلك من الأمور.
ومن نافلة القول إن هذه الاتفاقية تعتبر معاهدة دولية متعددة الأطراف تخضع لأحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969م.
ثانياً: باعث أوبك لإنشاء أوفيد:
جرى العرف الدولي على أن يكون لكل معاهدة ديباجة تحدد الباعث الذي دفع أطرافها إلى إبرام المعاهدة.
ولقد حددت إتفاقية إنشاء (أوفيد) الباعث الذي دفع دول أوبك إلى إنشاء هذا الصندوق حث نصت على ما يلي:
(إن الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» التي توقع هذه الاتفاقية بالنيابة عنها:
شعوراً منها بالحاجة إلى التعاون بين الدول النامية في إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد، وتجاوباً منها مع روح الإعلان المهم لملوك ورؤساء الدول الأعضاء في الأوبك الصادر في الجزائر في مارس 1975 حول دعم وتشجيع التنمية الاقتصادية للدول النامية كافة، ووعياً منها بأهمية التعاون الاقتصادي والمالي فيما بين الدول الأعضاء في الأوبك والدول النامية الأخرى، ودعم المؤسسات المالية الجماعية للدول النامية، ورغبة منها في إنشاء تسهيلات مالية جماعية لدعم مساعداتها إلى الدول النامية الأخرى، بالإضافة إلى الوسائل الثنائية والمتعددة الأطراف التي تسهم إليها عن طريقها في التعاون المالي مع الدول النامية الأخرى.
قد اتفقت، بناء على ذلك، على إنشاء مؤسسة مالية دولية باسم «صندوق الأوبك للتنمية الدولية» وذلك طبقاً للمواد التالية.....). هذا الباعث لإنشاء الصندوق يتعين أخذه في الاعتبار عند تطبيق أو تفسير اتفاقية إنشاء الصندوق.
ثالثاً: أوبك وعضوية أوفيد:
جعلت المادة الأولى من اتفاقية إنشاء الصندوق العضوية في الصندوق مقصورة على الدول الأعضاء في أوبك، إلا أن هذا الشرط يعتبر شرط (ابتداء) لكسب العضوية في الصندوق وليس شرط (بقاء) لأن المادة (13) من اتفاقية إنشاء الصندوق الخاصة بالانسحاب ووقف العضوية لم تنص على أن فقد الدولة عضويتها في أوبك يفقدها تلقائياً عضويتها في الصندوق. ولذلك فإن قطر عندما انسحبت من عضوية أوبك لم تنسحب من أوفيد وبقيت محتفظة بعضويتها فيه.
ومن ناحية أخرى منعت المادة الثالثة من هذه الاتفاقية دول أوبك من الاستفادة من التمويل الذي يقدمه الصندوق حيث حددت المادة الثالثة الجهات المستفيدة من التمويل الذي يقدمه الصندوق على النحو التالي:
أ - حكومات الدول النامية عدا الدول الأعضاء في الأوبك.
ب - الوكالات الإنمائية الدولية التي تستفيد منها الدول النامية.
رابعاً: أوفيد كوكيل لأوبك:
نصت الفقرة (3) من المادة الثانية من الاتفاقية بأنه (في الحالات التي يكون فيها من المناسب القيام بعمل جماعي من جانب الدول الأعضاء في الأوبك، يجوز لأعضاء الصندوق تفويضه بمهمة الوكيل الذي يعمل بالنيابة عنهم وخاصة في علاقاتهم بالمؤسسات المالية الدولية، وذلك في الحدود التي يوافق عليها المجلس الوزاري في كل حالة على حدة).
خامساً: قرارات قمم أوبك وأوفيد:
أضفت المادة الأولى من الاتفاقية على الصندوق الشخصية القانونية الدولية، وهذا يعني أن أوفيد مستقل تمام الاستقلال عن منظمة أوبك إلا أنه رغم ذلك توجد رابطة قانونية بين المنظمتين من خلال ما يلي:
1 - الباعث لإنشاء أوفيد:
سبقت الإشارة إلى أن ديباجة اتفاقية إنشاء أوفيد حددت باعث دول أوبك إلى إنشائه.
ويستنبط من هذه الديباجة أن هذا الباعث يمثل المركز الذي يدور في فلكه نشاط الصندوق، الأمر الذي يقتضي دوام المحافظة على الأهداف والأغراض الرئيسية للصندوق وتدعيم قدراته على تحقيقها.
2 - قرارات قمم أوبك وافيد: لقد عقد قادة دول أوبك ثلاثة مؤتمرات، الأول في الفترة من 4 إلى 6 مارس عام 1975 في الجزائر، وفيه طرحت فكرة إنشاء أوفيد حيث تضمن الإعلان الصادر عن هذه القمة التأكيد مجدداً على التضامن الطبيعي الذي يوحد ما بين بلدان أوبك وسائر البلدان النامية في سعيها الدؤوب إلى التغلب على مشكلة التخلف الإنمائي، كما دعا المؤتمر إلى (اتخاذ التدابير الكفيلة بتعزيز التعاون بين هذه البلدان) وعقد قادة دول أوبك مؤتمرهم الثاني في كاراكاس، فنزويلا في الفترة من 27 إلى 28 سبتمبر 2000، وقد تضمن الإعلان الصادر عن هذه القمة أن القضاء على الفقر يجب أن يحظى بالأولية العالمية، وأنه تحقيقاً لهذه الغاية فإن أوبك سوف تواصل سجلها التاريخي في مساعدة الدول النامية من خلال برامج المساعدة الفردية الخاصة بهم وكذلك من خلال صندوق أوبك للتنمية الدولية والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وحث الدول الصناعية على الاعتراف بأن أكبر مأساة بيئة تواجه العالم هي فقر الإنسان.
وفي مقاله المنشور في جريدة الجزيرة بتاريخ 5 أبريل 2021 أوضح الأستاذ سليمان الجاسر الحربش، المدير العام السابق لأوفيد، الدور الكبير الذي أداه الأمير عبدالعزيز بن سلمان في تضمين إعلان القمة الثانية نصاً يؤكد أهمية معالجة الفقر بأشكاله كافة، وأن الأمير عبدالعزيز بن سلمان كان يقول (كيف تستديم التنمية وتزدهر البيئة إذا كان ما يقرب من مليار نسمة محرومين من الكهرباء وكيف يتحدث أحد عن التنمية المستدامة والبيئة النظيفة إذا كان أكثر من 2.5 مليار نسمة في العالم ما زالوا يحرقون الحطب والجلة في إعداد ما يحتاجونه من غذاء. الأمر الذي يؤدي إلى وفاة ما يقرب من خمسة ملايين نسمة في العالم معظمهم من النساء والأطفال جراء استنشاق الهواء الفاسد طبقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية، وللدقة فهو رقم يختلف من عام لآخر).
ثم عقد قادة دول أوبك مؤتمرهم الثالث في الرياض من 17 إلى 18 نوفمبر 2007، وفي الإعلان الصادر من هذه القمة انبثقت مبادرة الطاقة من أجل الفقراء حيث دعا الإعلان إلى القضاء التام على الفقر إلى مصادر الطاقة باعتبار ذلك أولية عالمية، وحث الإعلان أوفيد على تكثيف جهوده لدعم هذا الهدف.
وكان للسعودية الدور الرائد في إطلاق هذه المبادرة، وأشير إلى ما قاله الأستاذ سليمان الحربش في مقاله المذكور بشأن هذا الدور حيث قال:
(أسند للأمير عبدالعزيز بصفته أحد كبار المسؤولين في وزارة البترول والثروة المعدنية مهمة الإشراف على إعداد البيان الختامي، وهذه المرة كان بيان الرياض مختلفاً عن سابقيه من قمم أوبك الأولى والثانية، إذ خصص البيان فصلين كاملين مستقلين للطاقة والتنمية، والطاقة والبيئة. وجاء البند السادس في فصل الطاقة والتنمية صريحاً في تكليف صناديق التنمية في الدول الأعضاء وصندوق أوبك المشار إليه في بيان القمة باسمه المختصر أوفيد في البحث عن الطرق الكفيلة باجتثاث فقر الطاقة. وأضاف بأنه يحمد للأمير (وأنا شاهد على ذلك من موقعي في ذلك الوقت) وأنه تنفيذاً لتوجيهات حكومته الرشيدة أسهم في وضع هذا المطلب النبيل في بيان القمة قبل أن تبدأ الأمم المتحدة في الحديث عنه بأربع سنوات. بل إن المملكة بمناداتها باجتثاث فقر الطاقة أصلحت خللاً واضحاً في أهداف الألفية الصادرة من الأمم المتحدة عام 2000 والتي عالجت كل أوجه الفقر ما عدا فقر الطاقة، ولذلك فإني لا أبالغ عندما أجادل أحياناً أن الفضل يعود للمملكة في وجود الهدف السابع الخاص بتوفير الطاقة للجميع من بين أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015).
وجاء في موقع (ويكيبيديا) عن أوفيد ما يلي:
(وقد أطلق مبادرة الطاقة من أجل الفقراء الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية في حزيران/ يونية 2008، واعتمدها أوفيد لاحقًا كبرنامج رائد لديه.
ومنذ عام 2008، عمل أوفيد بلا كلل من أجل دفع مسألة الفقر إلى مصادر الطاقة إلى صدارة جدول الأعمال الدولي، وكان مسؤولاً عن القبول العالمي للقضاء على الفقر إلى مصادر الطاقة باعتباره الهدف «المفقود» في الأهداف الإنمائية للألفية.
وفي حزيران/ يونية 2012، أصدرت البلدان الأعضاء في أوفيد إعلانًا وزاريًا بشأن الفقر إلى مصادر الطاقة وكرَّست مبلغًا متجدّدًا بقيمة 1 بليون دولار من دولارات الولايات المتحدة كحدٍّ أدنى لتمويل مبادرة الطاقة من أجل الفقراء. ووفقًا لذلك، يزيد أوفيد حجم عملياته في قطاع الطاقة، بالتعاون مع جميع أصحاب المصلحة ذوي الصلة.
ونتيجة لجهود أوفيد الرفيعة المستوى في مجال الدعوة إلى المناصرة، فإنه شريك أساسي في مبادرة الطاقة المستدامة للجميع. ولهذه المبادرة ثلاثة أهداف: تحقيق حصول الجميع على الطاقة المستدامة، ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة، ومضاعفة حصة الطاقة المتجدَّدة، وينبغي تحقيق هذه الأهداف جميعها بحلول عام 2030 . ويعتبر أوفيد مبادرته الخاصة بالطاقة من أجل الفقراء مكمِّلة لأهداف الطاقة المستدامة للجميع. وفي عام 2011، دُعي المدير العام لأوفيد، سليمان جاسر الحربش، للانضمام إلى فريق الأمين العام الرفيع المستوى التابع للأمم المتحدة بشأن الطاقة المستدامة للجميع، الذي كُلِّف بتطوير برنامج العمل الذي تمَّ تقديمه إلى مؤتمر قمة ريو+20 المعقود في عام 2012).
من الاستعراض السابق يتضح الدور الحيوي الذي أدته البيانات الصادرة عن مؤتمرات قادة أوبك في إنشاء أوفيد وترسيخ أهدافه وتعميق وتطوير نشاطه. وإذا كانت اتفاقية إنشاء أوفيد تعد دستور هذه المنظمة الإنمائية إلا أنه يمكن القول إن البنود الواردة في بيانات قمم أوبك المتعلقة بأوفيد، تعتبر في تقديري بمنزلة مبادئ (فوق الدستورية) التي تعلو على دستور أوفيد لأنها تعبِّر عن الغايات والأهداف السامية لدول أوبك من إنشاء الصندوق والدور المناط به.
وتبعاً لذلك لا يجوز تعديل دستور أوفيد على نحو يخالف هذه المبادئ إلا بقرار من مؤتمر قادة أوبك. وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ سليمان الحربش أبدى ملاحظة في مقاله المذكور بأن بيان قمة أوبك الثالثة أشار إلى صندوق أوبك باسمه المختصر (أوفيد)، وفي تقديري أن هذه الإشارة لا تخلو من دلالة قانونية، وهي أن قادة أوبك اعتمدوا هذا الاسم المختصر وأضفوا عليه الطابع الرسمي.
وفي الختام يمكن تشبيه العلاقة بين أوبك وأوفيد بالعلاقة بين هيئة الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة الداخلة في منظومتها مثل البنك الدولي للتنمية الزراعية وصندوق النقد الدولي واليونسكو، فهذه المنظمات تعتبر منظمات دولية مستقلة إلا أنها تؤدي أدواراً مهمة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة.
كذلك أوفيد منظمة دولية مستقلة إلا أنها تؤدي دوراً مهماً في تحقيق أهداف الدول الأعضاء في أوبك سواء المحددة في اتفاقية إنشاء الصندوق أو المحددة في البيانات الصادرة عن مؤتمرات قادة أوبك والمتعلقة بمساعدة الدول النامية على التغلب على مشكلات التخلف الإنمائي.
** **
- محام وكاتب سعودي