خالد بن حمد المالك
أختلفُ كثيراً مع سياسات القيادات الفلسطينية، ومع منظماتها وتحديداً حماس والجهاد، ومع بعض المواطنين الفلسطينيين، فما نسمعه منهم من جحود وإساءات بالغة للمملكة والدول الخليجية التي لا تتوانى في دعمهم سياسياً ومالياً، بما يعكر العلاقة، بينما يأخذون وجهتهم إلى التعاون مع دول أخرى عربية وغير عربية ممن تبيعهم الكلام الرخيص، وتدفعهم إلى هَجر الأشقاء المخلصين لقضيتهم، بل والتعامل معهم بما يسيء إليهم، وإنكار كل جميل تشهد به مواقف هذه الدول في دعمها للقضية الفلسطينية، بما لا يمكن أن يمر دون أن يترك أثراً في النفوس.
* *
لكن في شأن العدوان الإسرائيلي الأخير المستمر على المقدسيين والقدس، وامتداد عدوانهم على قطاع غزة، لا يمكن لنا إلا أن يكون اصطفافنا مع كل من ينكر على إسرائيل هذا العدوان الشرس، وضد كل من لا يندد به، ويحاول أن يغطي على جرائم هذا النظام المحتل، وهو ما تعلنه المملكة وكل دول الخليج بما فيها الدولتان اللتان طبعتا العلاقة مع إسرائيل، وبذلك فلا أحد يزايد على دعم المملكة ودول الخليج، ولا دولة قدمت للقضية الفلسطينية والدفاع عنها كما فعلت دول مجلس التعاون لدول الخليج.
* *
على أن دخول الفلسطينيين في معارك مع إسرائيل، ذات القوة العسكرية الضاربة، كان يجب أن يسبقه استعداد وتخطيط، وقدرة على الصمود، وتحقيق ما يوازي ما سوف تتعرض له الأراضي الفلسطينية المحتلة وشعبها الصابر من شهداء ودمار، وأن يفضي هذا الاستعداد المبكر إلى جعل إسرائيل تعيد حساباتها، وتتخلى عن عنجهيتها وأسلوبها في حرمان الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، واستعادة أراضيهم المحتلة منذ عام 1967 وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
* *
إسرائيل لن تتمكن من السيطرة على كل الأراضي المحتلة، وستظل في حالة حرب، وجولات من القتال مع الفلسطينيين، وربما تغيرت المعادلات مستقبلاً في كسب الحرب، فالتفوق الجوي لإسرائيل أصبح يوازيه الطائرات المسيرة والصواريخ العابرة، وصناعتها أصبحت مهيأة للفلسطينيين، وأصبح لدى الشباب الفلسطيني القدرة والخبرة والإمكانات على زيادة أعدادها، ونوعيتها، وقدراتها في ضرب العمق الإسرائيلي كما لاحظنا في هذه الحرب التي تدور رحاها الآن.
* *
وإذا ما تغيرت آليات الحروب وأدواتها المستخدمة، وثم تغيرت موازين القوى لصالح تمكين الفلسطينيين من الدفاع عن أنفسهم إلى الهجوم على إسرائيل، فلن تكون خيارات الإسرائيليين المؤيَّدة من أمريكا قادرة على الاستمرار في بسط سيطرتها على كل الأراضي الفلسطينية، ورفض إقامة الدولة الفلسطينية، والتراجع عن اتفاق أوسلو، فالقوة الإسرائيلية أمام تنامي القوة العسكرية لدى الفلسطينيين لن تكون كما كانت، بدليل فشل القبة الحديدية في اصطياد بعض الصواريخ الغزاوية قبل وصولها إلى أهدافها في عمق إسرائيل وفي جميع مدنها دون استثناء.
* *
وعلى مدى التاريخ، فإن الدعم الأمريكي والأوروبي لإسرائيل، وصمت الصين وروسيا أمام جرائم إسرائيل هو ما شجعها لأن تتمسك بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وترفض خيار الدولتين، وتصر على أن القدس مدينة موحدة ضمن الأراضي الإسرائيلية، وهو ما يعقِّد الأخذ بالحلول المطروحة لحل النزاع، وبينها المبادرة العربية، واتفاق أوسلو، وقرارات الشرعية الدولية.
ما نتمناه أن يتوقف التصعيد في هذه الحرب، حمايةً للمدنيين، والنساء والأطفال وكبار السن، وأن يجلس الطرفان على مائدة الحوار، للوصول إلى اتفاق يضمن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على الأراضي المحتلة عام 1967م، وأن يعود الفلسطينيون المهجرون خارج فلسطين إلى أراضيهم، لأن إسرائيل لن تنعم بالاستقرار أمام إنكارها لهذا الحق والوجود الفلسطيني واستمرارها لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة، بما في ذلك عودة مَنْ هم في الشتات خارج أراضيهم.
* *
بقي أن أقول: إنَّ على الفلسطينيين قيادةً وشعباً، ومنظمات وأفراداً أن يراجعوا مواقفهم وحساباتهم، ويعالجوا خلافاتهم فيما بينهم، وعليهم في المقابل ألاَّ يخسروا دولاً تدعمهم، وتقف إلى جانبهم، وألاَّ يفرطوا فيها، فالدعم المادي والسياسي، غير الدعم الإعلامي الرخيص، والكلام الذي يطير في الهواء.