إعداد - خالد حامد:
في أوائل أبريل الماضي، أحبطت إثيوبيا عملية وساطة أخرى، بقيادة الاتحاد الإفريقي، لحل أزمة متصاعدة على نهر النيل حيث تقوم إثيوبيا ببناء سد النهضة الإثيوبي الضخم، الذي من شأنه أن يعطل مصدرًا رئيسًا للمياه لكل من مصر والسودان. وتمثل المفاوضات ما وصفته وزارة الخارجية المصرية بـ «الفرصة الأخيرة» لإثيوبيا لحل النزاع المستمر منذ 10 سنوات.
مع اقتراب إثيوبيا من ملء خزان السد من جانب واحد للمرة الثانية - وبالتالي تجاوز «الخط الأحمر» الذي حدده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - قد يكون الأمر متروكًا للولايات المتحدة للمساعدة في التوسط في حل سلمي ومنع الاضطرابات في المنطقة التي تتطلع بلا شك قوى التطرف والإرهاب إلى استغلالها.
إدارة بايدن، التي تدرس حاليًا أفضل سياسة لإدارة هذا الوضع، يجب أن تتدخل الآن بعد أن أصبح على المحك مستقبل النيل، شريان الحياة لملايين المصريين والسودانيين.
في عام 2011، ودون استشارة أي من جيرانها في اتجاه مجرى النهر، بدأت إثيوبيا في بناء سد خرساني يبلغ ارتفاعه 509 أقدام - كبير بما يكفي لتخزين ضعف كمية المياه الموجودة في بحيرة «ميد»، أكبر خزان اصطناعي في الولايات المتحدة - على النيل الأزرق، جزء حيوي من نهر النيل.
إذا تم ملء وتشغيل السد من جانب واحد، فقد يتسبب في إلحاق ضرر اجتماعي واقتصادي وبيئي هائل في اتجاه مجرى النهر نحو مصر والسودان. في العام الماضي، في انتهاك لمعاهدة عام 2015، بدأت إثيوبيا عملية ملء أولية للسد. الآن، تتعهد إثيوبيا بالمضي قدمًا في مرحلة ثانية كبيرة من ملء الخزان هذا الصيف، وذلك من خلال رفض الدعوات إلى حل عادل وبما يتفق مع سياستها الراسخة المتمثلة في استغلال الأنهار الدولية من جانب واحد.
إن التهديد الذي يشكله سد النهضة ليس افتراضيًا ولكنه حقيقي.
إن قطع إمدادات أساسية من المياه من شأنه أن يزيد بشكل كبير من المخاطر التي يشكلها تغير المناخ في المنطقة. كواحدة من أكثر البلدان جفافاً في العالم تواجه مصر بالفعل نقصًا حادًا في المياه، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستويات سطح البحر. في الواقع، يعيش المصريون حاليًا حوالي 50 في المائة تحت خط الفقر المائي، ومع قلة هطول الأمطار السنوية، فإن البلاد تعتمد بالكامل تقريبًا على نهر النيل للحصول على المياه المتجددة. لإدارة مثل هذه الظروف، تبنت مصر نظامًا وطنيًا لإعادة استخدام المياه عدة مرات في الزراعة، مما يحقق أحد أعلى كفاءة لنظام ري شامل في العالم.
على الرغم من مزاعم إثيوبيا بأن مشاريع الطاقة الكهرومائية لن تسبب أي ضرر، فإن ملء وتشغيل سد إثيوبيا من جانب واحد من شأنه أن يزيد الأمور سوءًا بسرعة لكل من مصر والسودان، مما سيتسبب في أضرار بيئية واجتماعية اقتصادية خطيرة، مما قد يجبر أعدادًا كبيرة من العائلات على ترك منازلهم، علاوة على ذلك، سيكون لسد النهضة أيضًا آثار ضارة على السد العالي في أسوان في مصر، وهو سد متعدد الأغراض، وهو أكبر مصدر للطاقة المتجددة في مصر ولا غنى عنه في تأمين الاحتياجات المائية لمصر والسودان. تشير الأمم المتحدة إلى أن كل انخفاض بنسبة 2 في المائة في المياه المتاحة سوف يؤثر في مليون شخص.
وكشفت دراسة أجرتها شركة Deltares الهولندية الشهيرة، أن ملء سد النهضة من جانب واحد يمكن أن يؤدي إلى نقص المياه في مصر بأكثر من 123 مليار متر مكعب، هذا في القطاع الزراعي وحده، بالإضافة إلى أن كل مليار متر مكعب من النقص في المياه الناتجة عن ملء السد أو تشغيله من جانب واحد سوف تؤدي إلى إجبار 290 ألف شخص على ترك العمل، وتدمير أكثر من 321230 فدانًا من الأراضي المزروعة، وزيادة 150 مليون دولار في الواردات الغذائية، وخسارة 430 مليون دولار من الإنتاج الزراعي.
إن التهديد الذي يشكله سد النهضة ليس افتراضيًا ولكنه حقيقي. وفي الوقت الحالي، يتسبب سد آخر بنته إثيوبيا في أضرار جسيمة في كينيا. كانت التداعيات شديدة لدرجة أن اليونسكو حذرت من انقراض بحيرة توركانا في كينيا. كانت هناك أيضًا تقارير وبحوث حول الإجراءات الإثيوبية الأحادية الأخرى، بما في ذلك في حوض جوبا وشبيلي، دون التشاور المسبق مع الصومال، وتأثيرها السلبي الكبير في الوصول إلى المياه والأمن في الصومال.
يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن مثل هذه السياسات الأحادية إلى مزيد من الاضطرابات في المنطقة. وتعمل إثيوبيا على تأجيج النيران من خلال تشويه سمعة السودان ومصر من خلال الترويج لرواية شعبوية مضللة تتعلق بالمخاوف بشأن سد النهضة على أنها متجذرة في الاستعمار، مدعية أن جيرانها في المصب يعارضون تنمية إثيوبيا ويحاولون فرض «المعاهدات الاستعمارية على إثيوبيا».
الوضع كما هو عليه اليوم كان بالإمكان تجنبه تمامًا. تم تصميم هذا الوصف الخاطئ للسماح لإثيوبيا بتحويل الانتباه عن التزاماتها القانونية الدولية الفعلية تجاه جيرانها في اتجاه المصب، والتي تشمل العديد من المعاهدات الدولية التي وقعتها إثيوبيا، بدون استثناء واحد، كدولة مستقلة ذات سيادة بما في ذلك اتفاقيات 1902، 1993، و2015. خدمت هذه الاتفاقيات ولا تزال تخدم المصالح الوطنية لإثيوبيا، بما في ذلك، على سبيل المثال، ما يتعلق بحدودها.
ومع ذلك، في حين أن إثيوبيا جنت الفوائد من توقيع هذه الإتفاقيات، فقد حاولت مرارًا وتكرارًا التنصل من التزاماتها المتعلقة بنهر النيل بموجب نفس هذه الاتفاقيات.
كان هناك حل قابل للتطبيق مطروحًا على الطاولة في عام 2019، بعد عقد من الرفض القاطع لأي نوع من الاتفاق، ناهيك عن مشاركة أي وسطاء أو مراقبين، عندما قبلت إثيوبيا أخيرًا مشاركة ومساهمة واشنطن والبنك الدولي في هذه العملية. كانت الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) على وشك توقيع اتفاق عادل، اتفاق تسوية مستوحى من نموذج التعاون الناجح الذي يحكم حوض نهر السنغال. لكن في اللحظات الأخيرة، تراجعت إثيوبيا فجأة وادعت أن الاتفاقية المقترحة حرمت إثيوبيا من حقها في توليد الكهرباء بكفاءة من سد النهضة أو الخضوع لمشاريع مستقبلية، وأن الإتفاقية حاولت فرض حصص مياه لا تشترك فيها إثيوبيا.
على عكس الادعاءات الإثيوبية، أكدت هذه الصفقة التوفيقية لإثيوبيا أنها ستولد الطاقة الكهرومائية من سد النهضة على نحو مستدام عند المستويات المثلى، في جميع الظروف الهيدرولوجية، مع حماية دول المصب من الجفاف المدمر. ونصت بشكل لا لبس فيه على أنها ليست اتفاقية لتخصيص المياه، واعترفت بوضوح بحق إثيوبيا في الاضطلاع بمشاريع مستقبلية على النيل الأزرق وفقًا للقانون الدولي المعمول به، وسمحت للأطراف بإعادة النظر في الاتفاقية في غضون 10 سنوات.
واليوم، بعد عام واحد، ما زالت المفاوضات تتعثر تحت رعاية الاتحاد الإفريقي، وكشفت تصريحات إثيوبيا الآن السبب الفعلي لتخليها عن محادثات واشنطن: إثيوبيا ترفض أي اتفاق ملزم قانونًا بشأن قواعد ملء وتشغيل السد الجديد، وتطالب بإطار عمل من المبادئ غير الملزمة التي يمكن أن تغيرها حسب هواها. وهذا يتعارض مع اتفاقية عام 2015 بشأن إعلان المبادئ بين الدول الثلاث.
على الرغم من أن البيانات السياسية لإثيوبيا تتحدث عن التزامها بعملية الوساطة التي يقودها الاتحاد الإفريقي، مستشهدة بالمبدأ المشترك «الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية»، فإن تصرفات إثيوبيا تقوض بشكل واضح، في الواقع، دور الاتحاد الإفريقي. وقد تجلى ذلك من خلال رفض إثيوبيا القاطع، في الاجتماع الأخير في كينشاسا بجمهورية الكونغو الديمقراطية، في أبريل، لمقترحات مشتركة متعددة من السودان ومصر لتمكين العملية التي يقودها الاتحاد الإفريقي. وذلك لأن إثيوبيا تفضل دورًا رمزيًا لرئيس الاتحاد الإفريقي على الدور النشط.
يلوح عصر جديد من الاستقرار والازدهار الاقتصادي المشترك في الأفق في إفريقيا والشرق الأوسط، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى القيادة الثابتة للولايات المتحدة. أحد الأمثلة على التغييرات المرحب بها التي تجتاح المنطقة هو اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، والتي كانت تذكرنا بمعاهدة مصر الرائدة مع إسرائيل - التي توسطت فيها الولايات المتحدة أيضًا - منذ أكثر من 40 عامًا.
من خلال الدبلوماسية المبدئية، يمكن لإدارة بايدن إعادة ضبط المفاوضات المتعثرة.
تمتلك الولايات المتحدة النفوذ اللازم لتشجيع إثيوبيا بنجاح على الانخراط بحسن نية في مفاوضات سد النهضة والامتناع عن الإجراءات الأحادية والسعي لتحقيق المصالح الذاتية الضيقة، والتي أضرت بالمصالح المشروعة لجيرانها. إن التماس الخبرة من الشركاء الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، لدعم عملية الوساطة التي يقودها الاتحاد الإفريقي، سيكون ذا قيمة كبيرة في جعل المفاوضات تؤتي ثمارها في أقرب وقت ممكن.
سيضمن هذا الاقتراح أيضًا عدم وجود مجال لتوجيه أصابع الاتهام بشكل خاطئ؛ لن يكون من المجدي تحدي حياد كل هؤلاء الشركاء بقيادة رئيس الاتحاد الإفريقي، كما فعلت إثيوبيا مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد أن تخلت إثيوبيا عن عملية الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة العام الماضي.
يُظهر التاريخ أن التقدم على طول نهر النيل يمكن أن يكون هشًا، ويمكن أن يكون لنزاع واحد آثار ضارة تزعزع استقرار المنطقة وتصل إلى حلفائنا في الغرب. سيؤدي الفشل في حل المشكلة المتصاعدة بسرعة بشأن سد النهضة إلى تسريع الآثار المدمرة بالفعل لتغير المناخ في المنطقة، وإطلاق موجة من الهجرة غير الشرعية إلى الغرب، وفتح الباب أمام صراعات جديدة وحتى الإرهاب في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا.
من خلال الدبلوماسية المبدئية، يمكن لإدارة بايدن إعادة ضبط المفاوضات المتعثرة، وتحقيق حل عادل لجميع الأطراف، وبذلك، في نهاية المطاف، حماية مصالحها الاستراتيجية مع ثلاثة حلفاء إقليميين مهمين.
نظرًا لأن شرق إفريقيا تواجه أزمة ثلاثية من كوفيد - 19 والفيضانات والجراد، فإن قطع المساعدات الأمريكية للحكومة الإثيوبية ليس هو الحل.
يمكن أن تؤدي الوساطة المحايدة لحل نزاع سد النهضة إلى وضع مربح لجميع الأطراف.
** **
- معتز زهران هو سفير مصر لدى الولايات المتحدة وشغل سابقًا منصب مساعد وزير الخارجية المصري.
- عن مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية